تضامناً مع تحذير أطلقه الشاعر والإعلامي كاظم غيلان ، من مخاطر تناسل "العكاريك" ، وفرض حضورهم قسرا في الساحة الثقافية ، لامتلاكهم الصوت الصاخب بإطلاق النقيق المستمر لإزاحة الأسماء الراسخة المعروفة بمنجزاتها الإبداعية منذ عشرات السنين ، دعا متابعون للأزمة الراهنة ، إلى إبعاد "زعاطيط السياسة" من الحديث عن مطالب المتظاهرين ، والإجراءات الحكومية بخصوص تنفيذها ، ودعوة المتابعين القلقين جدا من حرف مسار التظاهرات موجهة أيضا إلى اللجان الشعبية المسؤولة عن تنظيم حركة الاحتجاج ، فليس من المعقول إطلاقا للمعتصمين أن تصدر منهم إساءات تعكس صورة تشوه وتمسخ مطالبهم ، بعد أن تعاطف معها من وجدها بأنها مشروعة وتعبر عن رغبة في اتخاذ إجراءات لرفع مظالم عن شرائح واسعة من المجتمع العراقي .
ما أعلن مؤخرا عن تعرض شيوخ عشائر من محافظات وسط وجنوبي العراق ، لاعتداء في ساحة الاعتصام في الأنبار ، سلوك مرفوض اجتماعيا وأخلاقيا ، وأعطى صورة ثلاثية الأبعاد لتصرفات مسيئة لقضية المعتصمين الأساسية ، شجعت أطرافا أخرى على اتهام المشاركين في التظاهرات بأنهم يسعون للإطاحة بالنظام السياسي تنفيذا لمخطط إقليمي .
أثناء اندلاع الأزمات، وهي متواصلة في العراق بنجاح ساحق ، تتوفر الأجواء الملائمة والمناسبة لنشاط "العكاريك وزعاطيط السياسة" ومهمة هؤلاء العمل على إشعال المزيد من الحرائق ، ومنع فرص التقارب بين الخصوم ، ودفعهم نحو صراع محتدم ، وما يثير الاستغراب أن "حكماء القوم" أبدوا إعجابهم بلعبة الزعاطيط ، وفضلوا سماع "نقيق العكاريك" لاعتقادهم بان الأصوات الصاخبة قادرة على التغطية على أي صوت يرتفع للمطالبة بحقوق وضعت على لوائح الانتظار لحين حصول التوافق بين الكتل المشاركة في الحكومة .
"اخرج منها يا ملعون" رواية بقلم كاتبها لم تجد طريقها إلى القراء ، وآلاف النسخ المطبوعة التي كانت مخزونة في مطبعة دار الحرية في الباب المعظم انتهى بها المطاف نحو مصير مجهول ، فضاعت فرصة القراءة للتعرف على" الملعون" ومدى ارتباطه بزعاطيط المرحلة الحالية ، ممن احتل المشهد السياسي بفضل بركات القائمة الانتخابية المغلقة ، وبجهود هذا النموذج من الجيل السياسي الجديد ، تتراجع فرص احتواء وتجاوز الأزمات ، وكأن "لعنة الملعون" تأبى مغادرة العراق ، إلا بعد تقسيمه بوصفة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن.
قبل أيام وجه مسؤول محلي في محافظة الأنبار الدعوة لإعلاميين وناشطين في مجال حقوق الإنسان لزيارة ساحة الاعتصام في المحافظة ، لغرض توفير لقاء مباشر مع المتظاهرين ، وفيما رحب بعضهم بالدعوة وأبدى استعداده للاستجابة لها بأقرب وقت ممكن ، هناك من انتابته مشاعر القلق من احتمال تعرضه لموقف لا يتمناه ، ومع الاحترام والتقدير لصاحب الدعوة ورغبته في إيجاد خطوط تواصل بين الإعلاميين والمتظاهرين لعرض الحقيقة بصورتها الطبيعية من دون رتوش ، تصلح أن تكون تلك المشاعر رسالة صريحة لأصحاب المطالب بتطهير صفوفهم من المندسين للحفاظ على نبل أهدافهم بإطلاق صوت موحد " اخرج منها يازعطوط " .