منذ طفولتي وأنا أتعجب كيف تختلف مواقف الناس ازاء الأشياء، خاصَّة وأنني عشت داخل عائلة لدى أفرادها المبررات العاطفية الكافية للاختلاف مع بعضهم. فهذه العائلة تضم بين أفرادها أبناء الزوجة الأولى "المتوفاة" من جهة، ومن جهة أخرى تضم زوجة الأب، أي أمي. هذه التجربة الحياتية كَتَبْتُ عنها أكثر من مرة لأنها أثرت فيَّ بشكل كبير. كانت مشاعري في ذلك الوقت مشاعر مضطربة جداً، فأنا أحب أمي، وأحب أخوتي الكبار، واختلافهم يوقعني بحرج الاختيار، بين الوقوف مع أخوتي ضد أمي، أو العكس.. على كل حال ما استفدت منه كثيراً من تجربتي تلك، هو استماعي لوجهات نظر المختلفين، حيث أكتشف بأن المبالغات كثيراً ما تشوه رؤية الناس لحقيقة المواقف. فمثلاً: كانت أمي تطالب أخوتي بتعليمي المهنة التي يجيدونها، وهي مهنة متعبة جداً. ولكنهم يرفضون بشدة. الأمر الذي يجعلها تعتقد بأنهم لا يردونني أن اتعلم نكاية بها. ولكن عندما سألتهم تبين أنهم يخجلون من اصطحابي للعمل، فمسؤولية إعالتي تقع عليهم، ومن العيب أن أتحمل هذه المسؤولية بوجودهم، خاصَّة وأنا صغير على الأعمال المتعبة. مواقف كثيرة من هذا القبيل، جعلتني أرفض اتخاذ أي حكم دون الحصول على فرصة سماع مختلف وجهات النظر.
قبل ايام حظيت بفرصة حضور جلسة حوار بين طرفين عراقيين الأول يعتقد بأن تظاهرات المناطق الغربية تريد أن تفتح ممراً آمناً للبعث والقاعدة. والثاني، يعتقد بأنها مظاهرات جماهيرية/ مطلبية.. قال الطرف الأول بأن وجود رايات القاعدة بشكل سافر، بالإضافة إلى الكلمات البذيئة التي قيلت بحق الشيعة، ثم رشق شيوخ المناطق الجنوبية بالأحذية، لا يترك مجال للشك بعدم براءة التظاهرات. فرد الطرف الآخر: الرايات الموجودة هي رايات سوداء فقط، أما رايات القاعدة فسوداء تحمل شعاراً خاصاً ومميزاً ومعروفاً. ثم أردف: كيف يمكن لي أن اشترك بتظاهرات يقودها أو يسيطر عليها من فجروا بيتي وعرضوا اطفالي لخطر الموت، ثم اصابوا اخي بجروح كادت أن تودي بحياته؟ أما بالنسبة للكلمات البذيئة فلم تكن موجهة للشيعة، بل لغيرهم، لكن تم تحريف الموضوع واستغلاله، ولذلك لا يجرؤ أحد على اثبات هذا التهجم ولو بمقطع فديو واحد. أما شيوخ العشائر، فموضوعهم بدأ بمؤتمر النجف، الذي تعرض فيه بعض شيوخ المناطق الغربية للتهجم، لكن الموضوع مر بصورة عابرة ولم يهتم به الإعلام، ثم جاء شيوخ عشائر الجنوب ممن حضروا نفس المؤتمر، واستُقْبِلوا استقبالا مُشرِّفاً يليق بهم، والقوا كلمات مطولة استقبلتها جموع المتظاهرين بحب، لكن مع الأسف نجحت أطراف متشنجة بذلك الفعل المشين، وتمت السيطرة على الموقف، ومع أن شيوخنا لم يعتذر لهم أحد، إلا أننا أقمنا أكثر من وقفة اعتذار جماعية ومُعلنة لشيوخ عشائر الجنوب.
شخصياً، لا أعرف مدى دقة الكلام الذي نقلته لكم الآن. لكن ما أريد أن أقوله، هو: أن الأحكام التي تصدر قبل سماع مختلف وجهات النظر هي أحكام ساذجة بدرجة كبيرة جداً.
جميع التعليقات 2
كاطع جواد
أصبت يا استاذ محسن ..وهذا ما ذكره القران الكريم عندما جاء احد الاشخاص للشكوى عند النبي داود عليه السلام من ان أخيه الاكبر طامع بنعجته الوحيدة مع ان أخيه يملك تسع وتسعون نعجة فما كان من النبي داود ان قال له لقد ظلمك ،وأوحى له ربه بانه حكم بالخطأ لانه لم يس
ملاك
يستحق الحال الذي نحن عليه أن نقر وساما للتحمل ونضعه على صدور المنصفين الحليمين ممن يحرصون على سماع وجهة نظر الآخر بأنصاف.وماعدا ذلك فنحن في مهب ؤيح السذاجة حينا والخبث حينا آخر في أطلاق الاحكام والتصورات وأتخاذ القرارات التي توغل في وجع العراق.