لا أظن أن فكرة رفع "الصليب الخشبي" بوجه مصاصي الدماء، في أفلام الرعب، كانت محض خيال. ما فهمته، ومنذ أيام المراهقة التي كنت فيها مغرما بمتابعة ذلك النوع من الأفلام، أن رفعه بوجه القتلة يخيفهم لأنه يرمز للتضحية المرتبطة بقصة المسيح الذي هو "الأب المضحي". وفعلا تحمل التضحية في أي مجال من مجالات الحياة قوة سحرية قد تحل مشاكل أمة بأكملها وتنقذها من الهلاك. ليس شرطا أن تكون تضحية بالنفس، كما فعل المسيح، بل بأي من المغريات والغرائز التي في مقدمتها غريزة التعلق بكرسي السلطة. ما من حاكم ضحى بكرسيه إلا وارتفع، وليس فيهم من تمسك به إلاّ وذل. وليت الأمر يقف عند الذل، بل غالبا ما يتعداه إلى صب البلاء والدمار على رأس البلاد والعباد. وفي صدام والقذافي وبشار عبرة لأولي الألباب.
لو أن مبارك تنحى عن كرسيه قبل عام من بدء الربيع العربي، أي منذ أن بدأ الشعب يتذمر من نيته توريث الحكم لولده، لما حصل ما يحصل بمصر اليوم. ولو أن بشار لم يخلف أباه، أو استقال في بدء رفض الشعب السوري لسلطانه، لما تحولت سوريا إلى خرائب تعط برائحة الموت والبارود. ولو أن صدام لملم أغراضه ورحل لقطع الطريق على الاحتلال الأمريكي وما جلبه لنا من مصائب ووجوه لا تجيد غير افتعال الويلات التي يسميها البعض أزمات، من باب التخفيف أو الحياء.
ورغم أن تونس تشهد اليوم اضطرابات وتظاهرات، بعد اغتيال شكري بالعيد، إلا أن أمام التوانسة فرصة واضحة للخلاص ،على عكس العراقيين الذي يتحكم المجهول بمصائرهم. فرصة يعود الفضل الأول فيها لرئيس وزرائهم الذي لوّح بصليب الاستقالة، بينما رئيس وزرائنا ينوي الالتصاق بكرسيه لولاية ثالثة لأنه، كما يبدو، بحاجة ماسة إلى أربعة أعوام أخرى ليشبع رغبته في الحكم. الاستقالة ضرب حضاري من ضروب التضحية لا يقدم عليها إلا ذو بخت عظيم.
ها هي تظاهرات العراق تثبت، بما لا يقبل الدحض، أن المالكي قد فشل في تصريف شؤون الدولة مثلما فشل حتى في تصريف المجاري. وها هم الآلاف يتم تسريحهم من السجون وهم أبرياء باعتراف الحكومة، مع عجز واضح في كل مفاصل الحياة الخدمية والإنسانية. أضف لذلك أن العراق هو البلد الوحيد بالعالم الذي لا يمر عليه يوم واحد بدون حادثة قتل إرهابية، وحاكمه يقول إن الأمن مستتب وعلى الدول الأخرى أن تستفيد من تجربته في مكافحة الإرهاب! أليست هي هذه التي قال عنها أهلنا " كابله وبزّه بعينه".
إن تهديد الجبالي بالاستقالة، ضاربا مصلحته الشخصية ومصلحة حزبه عرض الحائط من اجل أن تنهض تونس، ليس درسا مهما، حسب، بل صفحة أمل جديدة لمن ينشد الحياة. لقد رأى هذا المضحي أن الإسلاميين، وهو منهم، لا يصلحون لبناء دولة في العصر الحديث. لقد اهتدى للحل الذي سترى الناس به الشمس ومن دونه ستغرق في الظلام، فرفع صليبه بوجه دراكولات الفساد والاستبداد. فهل سيرفع المالكي صليب استقالته كي يتركنا لنعيش ؟
جميع التعليقات 2
المدقق
عندما كنت اشاهد الافلام المصرية التي يظهر فيها احد الممثلين الكوميديين وهو يجسد دور الطبيب النفساني كنت اضحك من كل قلبي لان هذا الطبيب يظهر بدور من يحتاج هو الى طبيب لكي يعالجه .. وعندما عرفت مؤخرا بان تخصصك العلمي هو علم النفس التربوي تذكرت ذلك الدكتور ا
مجهول الهوية
وحگ العباس يرفعنا للسماء وما يرفع صليب استقالته