TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ملاحقة طنطل

ملاحقة طنطل

نشر في: 12 فبراير, 2013: 08:00 م

في معسكرات تدريب الجنود المكلفين والاحتياط والمساقين معهم من خريجي المعاهد والكليات لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية،  كانت توضع شعارات في ساحات العرضات، ومنها عرق التدريب يقلل من دماء المعركة، واضرب عدوك بقبضة من حديد أيها الصنديد،  وصوِّب لتقتل العدو، وغيرها من الشعارات المعتمدة  وقتذاك،  يرددها الفصيل وراء العريف أثناء الهرولة الصباحية.

بإلغاء العمل بنظام التجنيد الإجباري تعرضت تلك الشعارات للانقراض ، ولم يعد احد من منتسبي الجيش الحالي  يرددها ، لأنهم غادروا ساحات التدريب ، وكلفوا بأداء مهمات رجال الشرطة ، فاتخذوا مواقعهم بسيطرات ثابتة ومتحركة، في جميع المدن العراقية وخاصة في العاصمة بغداد، في اطار خطة امنية تنفذ تحت إشراف "الضباط الدمج" المعروفين باسم "المانفيست" بحسب وصف زملائهم من ضباط الجيش السابق ومنهم برتب عالية من المشمولين  بقرارات الاستثناء من إجراءات هيئة المساءلة والعدالة المكلفة بتنفيذ اجتثاث  حزب البعث المحظور.

  خلال الأيام الماضية، صدرت الأوامر لوحدات الجيش بان تضرب "بيد من حديد" كل من يحاول أن يحرف مسار التظاهرات الاحتجاجية واستخدامها  للاعتداء على ممتلكات الدولة،  فأعادت الأوامر  شعارات سابقة، ينطبق عليها المثل الشعبي الشائع "حِديدة عن الطنطل"  المتداول وبشكل واسع في البصرة ومدن جنوبية اخرى ، يعتقد معظم سكانها ان الحديد هو السلاح الوحيد لمواجهة الطنطل ، وفي بعض الاحيان يستخدمون مخيط الندافين لطرد  اشباح الطناطلة لاتقاء شرها ، وتبديد مخاوف الاطفال منها .

اعتماد الخطط الأمنية والتلويح  باستخدام أسلوب الضرب  بيد من حديد  بحق اعداء العملية السياسية   والمندسين في التظاهرات  يعني أن هؤلاء من الطناطلة  على حد الوصف الرسمي  ، ولا بد من توفير كميات هائلة من السكراب والحديد والشيلمان لمواجهتهم بصولة  يستخدم فيها السلاح الابيض اي مخايط الندافين   وباحجامها الكبيرة من نوع  ( ( XXXL لملاحقتهم  وجعلهم يجرون اذيال الخيبة والخذلان امام الصناديد ، على إيقاع أغنية "تعب حتى الحديد وما تعبتوا" وبعد إنهاء الصولة  وطرد آخر طنطل من  الأراضي العراقية ، يظهر على الشاشة خبر عاجل  يلفت انتباه  المشاهدين الى إعلان زف البشرى للشعب العراقي العظيم ،  بدحر الطناطة بفضل الحديد والشيلمان.

كان البغداديون وحتى وقت قريب يطلقون مفردة "الشيلمان " على الشخص كثير الكذب، والادعاء، فهو  بنظرهم يرمي الشيلمان على رؤوس سامعي قصصه وبطولاته الوهمية، وحين يعترضون يرد عليهم بالقسم بأنه ابعد ما يكون عن "التشيلمن" فيختار لقصصه شهودا من الاموات  ومن غير الحاضرين لتمرير "شيلماناته المفضوحة" وسط سخرية  السامعين  واعتراضهم على رواية احداث لم ترد حتى في حكايات السعلوة والطنطل وقصص الراحل ابراهيم عرب المشهور بأنه كان اشهر كذاب في بغداد، الذي كان يرمي " الشيلمان " على رواد مقهاه في منطقة الكَم في راغبة خاتون ، من دون وقوع اصابات بينهم ،  لغرض إثارة الضحك بين الزبائن ، وليس  لاعلان النصر على الأعداء  وضربهم بيد من حديد !

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram