وزارة العدل تستحق أن يخاطبها العراقيون بقول الشاعر المتنبي "يا اعدل الناس إلا في معاملتي" والأمر هنا لا يتعلق بقضية المعتقلين، وجهود الوزارة في إطلاق سراحهم، بكفالة ضامنة وعن طريق العفو الخاص، في إطار الإجراءات الحكومية لتنفيذ مطالب المتظاهرين، وإنما بخدمات دوائر التسجيل العقاري التي تشهد يومياً آلاف المراجعين لخوض ماراثون تسجيل قطعة ارض أو دار سكنية، وللحصول على السند باسم صاحبه الشرعي، يحتاج إلى سقف زمني ومراجعات لدوائر رسمية للحصول على صحة صدور الوثائق الرسمية، فضلا عن موافقات مديرية الضرائب ، وبعد انجاز المعاملة ، يقرر صاحبها تحريم بيع أو شراء عقار في المستقبل لأنه شاهد "نجوم الظهر" بإجراءات قانونية لم ترد في مسلة حمورابي.
في دائرة تسجيل عقار الكرخ الثانية الواقعة في حي العامرية، يتفاجأ المراجع المتورط ببيع أرضه أو داره بتحذير من مسك الجدار، لوجود خلل كهربائي، وبجوار قطعة الكارتون التي كتبت عليها عبارة التحذير ، هناك ملصقات ملونة تتضمن أرقام هواتف لاستقبال شكاوى المواطنين، وخشية التعرض لصعقة كهربائية يتجمع المراجعون في ممرات ضيقة لانجاز معاملاتهم، تأخذ المزيد من الوقت لقلة عدد الموظفين، والسيدة مديرة تلك الدائرة هي الأخرى تعاني قلة كوادر دائرتها، وباعتمادها الحديث الهادئ مع المراجعين واستقبالهم في مكتبها استطاعت أن تخفف من أعباء معاناتهم، لأنها تؤمن بان "البيروقراطية" احد مظاهر الفساد الإداري، فاستحقت الإشادة بتعاملها الإنساني قبل الوظيفي مع مئات الأشخاص من مراجعي دائرتها.
يحلم العراقي منذ عشرات السنين بان تتفهم جميع الدوائر الرسمية دورها في خدمته وانجاز معاملته بأسرع وقت ممكن، وتحقيق هذا الحلم أو الأمنية يصطدم بعقبات من أبرزها أن اغلب الموظفين وخصوصا في ساعات الصباح الأولى من الدوام الرسمي وجوههم "ترتدي الجينكو"، ولحين استعادة مزاجه، وتناول وجبة خفيفة واحتساء قدح الشاي، يباشر عمله، ومخاطبته للمراجعين تخلو من مفردات رجاء وتفضل، وشكرا، وغالبا ما يتجاهل الرد على استفسار أو سؤال لمراجع، وهذا السلوك السائد في معظم دوائرنا لا يعالج باتصال هاتفي لطرح الشكوى لان المسؤول عن استقبال الاتصالات لا يختلف عن زميله الآخر صاحب الوجه المتجهم أثناء الدوام الرسمي، البشوش جدا في الساعات الأخرى.
يتداول الشباب هذه الأيام معلومات تفيد بان المشاركة في صلاة الجمعة في مساجد محددة في العاصمة بغداد ستوفر لهم فرص التعيين بعد تحقيق الانجاز الثوري بمصادقة البرلمان على موازنة العام الحالي، وبغض النظر عن صحة تلك المعلومات، إلا أن ما يشير إلى إمكانية صحتها، أن تلك الوزارات شغلها قياديون في أحزاب دينية مشاركة في الحكومة الحالية، وفي موسم إجراء الانتخابات المحلية أو التشريعية، الجميع يتحرك للحصول على أصوات الناخبين عن طريق توفير فرص التعيين، ولضمان الحصول على المزيد لا بد أن يلتفت الوزير الفلاني إلى تحسن أداء دوائره ويصدر أمراً للموظفين بالتخلي عن الأقنعة من نوع الجينكو حتى يضمن لحزبه أصوات مراجعي الدوائر.