إنني أخاف من المظاهرات في المنطقة الغربية رغم كل انحيازي للاحتجاج. ذلك ان المظاهرات مرآة صريحة لأرواحنا جميعا، يظهر على سطحها صوابنا وخطؤنا، هدوؤنا وانفعالنا، خيرنا وشرنا.
أيضاً فان الوقوف امام المرآة يكون مخيفا لحظة خروجنا من القبر. نعم اننا امة خارجة من قبر التاريخ الدكتاتوري، فألف سلطان متخلف دفننا وقطع ألسنتنا واغمض عيوننا خلال آخر ألف سنة.
ومنذ عشرة اعوام نجحت امريكا في فتح قبورنا ودعتنا للخروج الى سطح الارض. ليست هذه صورة سينمائية ولا مشهدا من نص مجنون لبورخيس، لكن تعالوا نحاول التركيز في فكرة وقوف المرء الخارج من اللحد، أمام المرآة.
مرة قال شاعر (بورخيس ربما؟): اخشى ان انظر في المرآة فأرى شخصاً آخر. وقد كتبت قبل بضعة شهور ان الدكتاتور امر بغداد بإغماض عينيها، وبعد رحيله صارت المدينة تخشى ان تفتح عينيها فتشاهد في المرآة شكلا قبيحا يعلو وجهها الذي كان يوما روح التاريخ.
ومثل هذا يحصل مع كل العراقيين ويتطور. كنا في قبر الدكتاتورية ففتحته امريكا ودعتنا الى الخروج. نحن ترددنا في الخروج من القبر. ثم سارع بعضنا الى سطح الارض بحثا عن الشمس والانفتاح، وآخرون ظلوا في العالم السفلي يخشون مواجهة نور الشمس بعد قرون من الاعتياد على الظلام. وفجأة وسط خلافات لا تنتهي، انهار القبر كله بمليون انفجار عنفي واختتمت انهياراته عند رحيل أمريكا وصرنا جميعا على سطح الارض للمرة الاولى منذ قرون.
وبدل ان نحظى بمساعدة معقولة فإن سكان القبور السياسية المجاورة صاروا يشبعوننا ضربا. كل الأرواح الشريرة لم تمهلنا التقاط أنفاسنا وترتيب مظهرنا او اخذ حمام ساخن، فبقينا واقفين على حافة لحد مهدوم بثياب ممزقة ونتعرض بكل طوائفنا، الى الضربة تلو الاخرى. نريد استراحة كي نعيد ترتيب الحال ولا احد يمنحنا ساعة من السلام.
ظهرنا الى جوار الحفرة على شكل رجل وامرأة بلباس ممزق وشعر أشعث ووجه مغبر، نتلقى الضربات في العراء، وجيوبنا مليئة بأموال النفط التي نتصارع عليها دون ان نفلح في استخدامها لإطعام جياع العائلة.
هنا كانت صورتنا مثيرة للسخرية امام كل الدنيا. أسئلتنا طفولية ونختلف حول البديهيات الواضحات. لا تزال أحلامنا أحياناً تحمل رائحة اللحد المعزول تاريخيا وسياسيا. ولم نؤسس بعد ثقة راسخة بسطح الأرض الذي تسطع عليه الشمس.
ان الدوامة تتقاذفنا حتى الساعة، وجاءت المظاهرات في المنطقة الغربية بمثابة مرآة صريحة لشكلنا المتعب والفوضوي لحظة وقوفنا الحائر امام لحد مهدوم. لذلك انا مثل كثيرين اخشى المظاهرات، وكثيرا مما يقال فيها من كلام طائفي. بالضبط كما اخشى كلاما طائفيا تعكسه مواقف الطوائف الاخرى.
لكن ليست هذه نهاية العالم. ففي وسعنا ان نتشجع ونبعد الخوف ونمتلك جرأة ان نحدق في مشهدنا القبيح امام مرايا الالفية الثالثة. اذ لا مفر من مواجهة حقيقة الانقسام، وحقيقة ان اي حاكم يحصل على كثير من الدولارات والدبابات يمكنه ان يصنع قبرا جديدا للامة. وهو اليوم وقبل ان يمسح غبار اللحود عن وجهه، يواصل ضرب كل الخطوط الحمراء. لقد ساءه ان عقلاء الشيعة والسنة ضبطوا شعارات المظاهرات، فهيأ المناخ السياسي لظهور واثق البطاط، وعامل اهل الاعظمية والانبار والموصل كأغراب على بوابات العاصمة. ونجح كثيرا او قليلا في اللعب بأعصاب بعض زعماء المظاهرات ودفعهم لحديث طائفي ارتفع صوته وعلا على صوت الاعتدال والحركة المطلبية. لقد نقل الحاكم هستيرياه الى ارواح بعض قادة المظاهرات، وظهر كل هذا على المرآة العراقية، وعلينا ان نواجهه بشجاعة ونكف عن الكذب، قبل ان يفوت الاوان.
لا يزال في وسعنا ان ننسى خوف القبر وخجل اللحد. يمكن جدا ان يعترف الشيعة بأن المالكي لم يعد صالحا الا لتفريخ الازمات وممارسة الظلم وان استبداده لا يمثل الطائفة وان استبداله فرض حاسم. وهذا حاصل جزئيا. ويمكن جدا ان يرفض السنة ان ينجروا وراء محاولة المالكي اغضابهم وجعلهم يتحدثون بلغة انقسام طائفي. وفي وسعهم ان يحموا انفسهم من اي استبداد محتمل باللجوء الى الدستور والاستفتاء على اقليمهم داخل وحدة العراق. يمكن هذا شرط ان لا ينظروا الى المرآة بالمزيد من الخوف، فقد حان الوقت لنحدق بجرأة في صورتنا وان نتحدث بحكمة وصراحة ونفكر كثيرا قبل صوغ اي موقف.
على حافة القبر اكل العنف من كل الطوائف، وعلينا ردم انهار الدم.
وليس الامر سيئا بالكامل، فعلى المرآة ليست كل ملامحنا سيئة، وعبد الملك السعدي كان هائلا، وعقلاء الشيعة قدموا اداء حلوا، وشجاعة الشباب اثبتت انهم ليسوا فقاعة، ويوم الفالنتاين من بغداد حتى الناصرية والبصرة كان واعدا. والسلطان بدأ يلعب على المكشوف ويدرك انه فقد معظم مشروعيته. يمكننا تحسين الملامح مع صبر اضافي امام المرآة. اثبتوا في صف الحكمة واتركوا الغضب. امنحونا املا كي نؤمن بأن في وسعنا اكمال الشوط وتصميم صيغة تجعل الوطن يتسع لنا بعد ان لم يتسع لنا قبر.
مظاهرات على حافة قبر عراقي
[post-views]
نشر في: 17 فبراير, 2013: 08:00 م
جميع التعليقات 2
كاطع جواد
التفاؤل شيء جميل لكنه قد لا يكون واقعي ما يحصل في العراق شيء مخيف فقد انفلت الجمل من عقاله وباتت اللغة المنفلته توجع بين الأطراف المتنافسة فكلام علي سليمان شيخ الدليم وهو يهدد رئيس الوزراء بلغة بالغة القسوة توحي بالكثير ..من جانب اخر ما قام به رئيس الحك
رافد الزبيدي
اخي العزيز المشكلة ليست بتصريحات علي السليمان بل هي مشكلة شعب بات يعيش على المزابل 00 هل ترضى يااخي ان تكون مناطقنا عبارة عن سجن من كل الجهات بحجة المحافظة على الامن وانت تدافع عن القاضي والسجان المالكي بسياسته الرعناء التي اوصلتنا الى هذا الحال لكن ان شا