اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > ضمن حملة إنقاذ معالم بغداد بين ( المدى) وأمانة بغداد ..بلدية الـرصافـة تنـقذ 1018 سنة مـن الانقراض

ضمن حملة إنقاذ معالم بغداد بين ( المدى) وأمانة بغداد ..بلدية الـرصافـة تنـقذ 1018 سنة مـن الانقراض

نشر في: 18 فبراير, 2013: 08:00 م

كثيرة هي المعالم التاريخية في عاصمة الحضارة والرقي،وأهميتها تكمن بأنها ذاكرة مدينة كانت يوما ما قبلة العلم والعلماء،بغداد تلك العروس التي رفدت الإنسانية جمعاء في جميع مناحي المعرفة.من تلك الآثار المهمة هو ما تبقى من أبوابها ألا وهو الباب الوسطاني، يق

كثيرة هي المعالم التاريخية في عاصمة الحضارة والرقي،وأهميتها تكمن بأنها ذاكرة مدينة كانت يوما ما قبلة العلم والعلماء،بغداد تلك العروس التي رفدت الإنسانية جمعاء في جميع مناحي المعرفة.
من تلك الآثار المهمة هو ما تبقى من أبوابها ألا وهو الباب الوسطاني، يقول المؤرخ الكبير سالم الآلوسي ( كان يحيط ببغداد الشرقية سور عظيم ، شيدّ دفاعاً عن المدينة من أخطار الغزو القادم من الشرق وحفاظاً عليها من الفيضانات، وقد أنشأه الخليفة العباسي المستظهر بالله في سنة 488هـ (1095م) ، ثم أكمله الخليفة المسترشد الذي تولى الخلافة 512 – 529هـ (1118 – 1135م) . وقد جعل للسور اربعة ابواب هي :-
لزوم الاحتفاظ بآثار الآباء
ويرى الآلوسي أن المعالم التاريخية والآثارية والمخلفات التراثية تعدُّ سجلاً تاريخياً حيّاً ووثيقة حضارية ناطقة بجلائل الأعمال وبدائع الصنعة التي خلّفها الإنسان في كل قطر من الأقطار ومصرٍ من الأمصار ، وأصبحت مصدراً مهماً في تاريخ العمران المدني ، لأن الآثار لها فضل تحديد المعالم والشواخص البارزة في كل مدينة وحاضرة وفي كل بقعة وموضع من البلاد، ذلك مما يستدعي الحفاظ عليها ويستوجب حمايتها وصيانتها من عوادي الزمان وأفعال بني الإنسان ، ماذا نقول للآباء والأجداد الذين خلّفوا لنا هذه المآثر العظيمة والآثار الخالدة ونحن عنها غافلون ؟

لماذا سمي بالوسطاني؟
 يقول الآلوسي سمي بالوسطاني لأنه يقع في وسط المسافة بين ركني السور الشمالي والجنوبي ، كان يعرف بباب خراسان لأنه يؤدي إلى طريق خراسان ، أي إلى الشرق لأن معنى خراسان الشرق ، الاَّ أن أكثر المصادر تشير إلى اسم باب الظفرية نسبة إلى أحد مماليك الخلفاء العباسيين يسمى ظفر ، ولا يزال قائماً، وهو الباب الوحيد الذي بقي من سور بغداد الشرقية ، وفي مطلع الأربعينات حولته دائرة الآثار العامة بعد صيانته وترميمه إلى متحف للأسلحة لغاية 1959 .
يقع الباب الوسطاني قرب جامع الشيخ عمر السهروردي، ومن الطريف أن شاعراً عراقياً هو عبد الرحمن البناء وقف على الباب في العشرينات من القرن الماضي فقال من قصيدة طويلة :

وقفــتِ  فينـــــا  وقفـــــةَ  الأروع    
    فكنــت مثل الواعـــظ المصــــــقع

وقفتَ وسط السور مستفســـــــراً
     عن أمــةٍ راحــت ولـــم ترجــــــع
موقع لإقامة المهرجانات
الباب الوسطاني كان للمدى  امس جولة ممتعة فيما تبقى من معالمه  حيث شاهدنا كيف تجري الاستعدادات  لاعادة الحياة الى هذا المعلم التاريخي الذي مر على بنائه 1018 عاما ويعد من اقدم معالم العاصمة بغداد ، مدير عام بلدية الرصافة السيد عبد الكريم المحمداوي شاركنا هذه الجولة وهو يشرح لنا كيف تجري  الاعمال في الموقع  مؤكدا ان النية متجهة الى جعل المنطقة التي تضم الباب منطقة سياحية مهمة ببغداد ، وقد بدأنا باقامة متنزه بجوار شارع محمد القاسم السريع ، يتوسطه موقع الباب الوسطاني ، وسيمتد الى شارع الجامعة المستنصرية ،فضلا عن مفاتحة الدوائر السياحبة للتنسيق معها لتطوير محيط الباب الوسطاني .  واضاف المحمداوي اذ ان امانة بغداد لايمكنها التصرف لئلا يحسب بعض من تصرفها تجاوزا على المعالم الاثرية ، ولاشك ان الامانة تسعى جاهدة للحفاظ على تلك المعالم وحمايتها ، وتشعر ان ذلك من مهامها على الرغم من ان دوائر وزارة السياحة هي المسؤولة ،مبينا انه بالامكان اقامة المهرجانات او المؤتمرات في هذا الموقع ، ففناء الباب الداخلي اشبه ما يكون صالة لمثل هذه الفعاليات ويرى المحمداوي ان بناء الباب بهذه الرصانة والمهارة بالوسائل القديمة ، يعد من الاشياء المدهشة ، وهي جديرة بالبحث والدراسة من قبل المهندسين والمعماريين .
 اثناء جولتنا  اطلعنا على جهود بلدية الرصافة في اقامة حديقة  واسعة ورائعة والتي امتد=ت  من مرآب النهضة حتى باب الوسطاني،في الوقت الذي كانت هذه المساحة مشغولة كمكب للقاذورات والنفابات،لكن بجهود رائعة من بلدية الرصافة تحولت الان الى لوحة جميلة تزين المنطقة المحيطة  بهذا  الباب الاثري المهم.

حكاية سور بغدادي
لم يكن بناء سور للمدينة المدورة ــ بغداد ــ فكرة جديدة على العراقيين الذين عرفوا أسوار بابل وآشور والحضر، لكن العباسيين الذين بنوا هذا السور كانوا يدركون حجم التهديدات التي تحيق بهم من شرق البلاد وغربها، فلم يتوانوا عن بناء سياج ضخم حول بغدادهم، لا يفتح إلا في أوقات معينة تحصيناً للمدينة التي كانت منارة علم وثقافة وأدب، وهكذا بدأ الخليفة العباسي المستظهر بالله في إنشاء هذا السور مع خندق مائي يحيط به ليصعب المهمة على الذين يفكرون في غزو بغداد التي تضم دار الخليفة، لكن القدر لم يترك للمستظهر بالله أن يرى هذا السور مكتملاً، فحمل المهمة الخليفة الذي تلاه وهو المسترشد بالله وجعل للسور أربعة أبواب: باب السلطان ويسمى اليوم بـ«باب المعظم»، وباب كلواذى وهو ما يسمى اليوم بـ«الباب الشرقي»، أما الباب الثالث فهو باب خراسان وهو الباب الوحيد المتبقي من ذلك العصر ويسمى اليوم بـ«الباب الوسطاني»، والباب الرابع هو باب الحلبة أو «باب الطلسم» وقد اندثر بسبب العثمانيين الذين خزنوا فيه البارود والأسلحة، ففي العام 1917 دمر العثمانيون المنسحبون من بغداد نتيجة خسارتهم أمام الانكليز في الحرب العالمية الأولى هذا الباب خشية منهم بأن يقع ماخزنوه فيه من بارود في يد الإنكليز، وبهذا أسدل الستار على هذا الباب مثلما أسدل الستار على سور بغداد الكبير حين أمر احد سلاطين الدولة العثمانية بتهديم السور وبناء سراي الحكومة في بغداد بطابوق السور، فقد أمر والي بغداد مدحت باشا بهدم سور بغداد سنة 1870م لاستعمال طابوقه في بناء ديوان سراي الحكومة، الذي يسمى اليوم بمبنى القشلة، مخلفاً بذلك نهاية حزينة لأثر كان له أن يضاهي الآثار العالمية المهمة.
 باب الظفرية
باب خراسان التاريخي اتخذ تسميات عدة، لكن ما بقي خالداً في الذاكرة هو باب الظفرية، لكن لماذا الظفرية؟
الباب يقع بالقرب من منطقة بغدادية قديمة سميت لقربها من بستان كبير وجميل اسمه «قراح ظفر»، والقراح هو مصطلح بغدادي يستخدمه الناس في تلك الفترة للبستان، وظفر هو اسم صاحب البستان كما تشير الدراسات التاريخية ومن هنا سمي الباب بالظفرية، ومع هذه التسمية ظهرت تسميات عديدة بعضها عثماني وبعضها بغدادي محلي ومنها الباب الوسطاني، ويعتقد المؤرخون أن تسمية هذا الباب بالباب الوسطاني جاءت نتيجة توسط هذا الباب سور بغداد القديم، وحدهم العثمانيون لم يعجبهم على ما يبدو الاسم، فسموه بـ«باب سفيد» وسفيد تعني باللغة التركية البيضاء أو الأبيض.
يقول عادل العرداوي المهتم بالآثار العباسية موضحاً لـ«الأسبوعية» أن الباب الوسطاني هو آخر أبواب بغداد العباسية، وهو يمثل واحداً من ثمانية آثار فقط بقيت من بغداد العباسية.
عصيّ على الغزاة
أما السور المحيط بالباب، فقد صنع من طين الأرض الممزوج بعرق العراقيين الذين أكدوا على أن للطين حضوره الكبير في هذا البناء الفخم في العصر العباسي، وقد استعمل بناؤو الباب الطين وفق طريقتين، الأولى تتمثل بالطين الذي يصب في قوالب مستطيلة ذات ارتفاع معين والذي يجفف تحت ضوء الشمس، وهذه الطريقة تنتج الطوب الأخضر وهو مصنوع من التبن والطين مخلوطين، وهذا النوع استعمل في بناء الأسوار والأجسام نصف الأسطوانية الساندة له من الخارج، وكذلك الحيطان الساندة لأجزاء البناء الأخرى لأنه يمتاز بليونته ومرونته كما يريد له المعماريون، أما الطريقة الثانية فكانت تستخدم الطين المفخور والذي يسمى محلياً بالطابوق، وهذا النوع من الطين يستخدم في بناء العقود والطوق والقبوات، وكذلك القباب، ويستخدم الطين المفخور بعد أن تضاف إليه مواد أخرى لتنفيذ الأساسات لمقاومته نفاذ الماء.
الباب وشاه إيران
ويمتاز الباب الوسطاني بصلابته وبجمال زخارفه العربية الإسلامية وقد حاول كثيرون من الذين غزوا بغداد أن يدخلوها من خلاله فلم يفلحوا، ومنهم هولاكو الذي حاصر بغداد وحاول اقتحام هذا الباب مراتٍ عدة فلم يفلح، وكان آخرهم الشاه الإيراني نادر شاه الذي وقف عاجزاً عن اختراق هذا الباب – الحصن ـ وقد يتساءل البعض عن كيفية بقاء هذا الباب صامداً في وجه الهجمات البربرية التي تلقتها بغداد على مختلف العصور؟
يعتقد الكثير من المؤرخين أن تصميم هذا الباب وموقعه جعلاه أكثر أبواب بغداد حصانة وقدرة على الدفاع، فهو يمثل تطويراً لفكرة البرج الأسطواني المقبب، الذي يرقى إلى قبته بسلالم ليشرف منها على الفضاء المجاور، إلا أن المعماري زاد عليه أن جعل مدخله الداخلي يتعامد بزاوية قائمة مع المدخل الخارجي، ومصمم هذا الباب راعى أسلوب المداخل المدورة التي عرفتها «بغداد المدورة» وزاد من حصانته بأن قدم للباب من الداخل بقنطرة عالية مكشوفة، كما أحاطه ببرج ومساحة مائية واسعة مما زاد من هذه الحصانة، إذ لم يكن ممكنا الوصول إلى السور إلا بعد اجتياز قنطرتين على التعاقب حيث يطوق السور خندق مائي عرضه ستة أمتار.
شاهد على الطرائف
وكان هذا الباب شاهداً على منافسات شديدة بين شقاوات بغداد ولطفائها، حين كان شقاوات بغداد وشبابها يتبارون بامتطاء الخيول التي يستأجرونها من أصحابها في حلبة سباق طويلة يسميها البغداديون «ساحة الوسطاني» نسبة الى الباب، تمتد من الباب الوسطاني حتى نهاية باب المعظم، وهم يمارسون الفروسية، وكانت هذه المظاهر تتجلى في أيام الأعياد حيث يجتمع شقاوات المناطق المختلفة ليقيموا طقوسهم السعيدة وليظهروا وجههم الآخر وهم المعروفون بالقسوة والشدة، فيستأجر كل منهم جواداً ويشتركون في سباق ودي لطيف حتى ينتهي بهم السباق إلى ساحة قريبة من باب المعظم.
ويتكون باب المعظم من برج كبير عالٍ اسطواني الشكل تقريباً بني كله من الآجر. عرض الباب نحو ثلاثة أمتار، يعلوه عقد مدبب منفرج الزاوية، ارتفاعه أربعة أمتار، يقوم العقد المدبب فوق دعامتين مندمجتين في الجدار، وفي كل جانب من جانبي العقد هناك أسد صغير منحوت من قطع الآجر بشكل بارز، وأشكال هندسية مترابطة بارزة قوامها شريطان، كل منهما مقسوم إلى قسمين يتقاطعان ويكوّنان شكلاً سداسياً منتظم الأضلاع، فيهما عناصر زخرفية هندسية ونباتية، منها أغصان نباتية وفروع نباتية ذات أوراق بشكل أنصاف المراوح النخيلية الثلاثية الفصوص، وتؤلف زخارف التوريق العربي المعروفة بالأرابسك، أما الأشكال الهندسية المنتظمة فداخل كل منها زهرة الروزيت، وقوام الأشكال الهندسية الخطوط المتداخلة وهي تشكل أطباقاً نجمية ذات اثني عشر رأساً ونجوماً صغيرة ذات أربعة رؤوس تحصر في داخلها نجوماً ذات ثمانية رؤوس، إلى جانب ذلك هناك زخارف دقيقة في داخل النجوم والأشكال الهندسية.
ويعلو البرج في الباب الوسطاني نص كتابي بخط الثلث، وقد زال معظم النص الكتابي وما بقي منه (ما زالت دعوته الهادية للدين قواماً وللإسلام نظاماً ودولته القاهرة سكينة للأمة وعصاماً ومنزلته للسلام بإشراق أنوار سرو...).
في عيون الأوروبيين
أعجب الرحالة الأوروبيون بهذا الصرح البغدادي الجميل والحصين ولا تكاد مذكراتهم تخلو من كتابات ما عن هذا الباب، خصوصاً أولئك الذين زاروا بغداد وتعرفوا إلى تراثها وحضارتها عن كثب، فقد أعجب الرحالة الأوروبيون الذين مروا بالباب بحسن تصميمه وجودة مواد بنائه إذ قال عنه بكنكهام في العام 1816، إنه يتميز بالضخامة وبوجود الآجر الذي شيد به وإن دقة تركيبه تضارع أي بناء قديم كان قد شاهده قبلاً، وتحيط بهذا الباب الذي شيد على مدى 134 عاماً مقبرة قديمة، ورغم توقف الدفن فيها منذ عقود فإن محلة الظفرية التي تعد هي الأخرى من المناطق الأثرية في بغداد لم تكتسب من مظاهر التطور شيئاً سوى بعض إعمال الصيانة المتقطعة التي قامت بها مديرية الآثار القديمة منذ ثلاثينات القرن الماضي. الباب الوسطاني الذي أصبح سجناً في عشرينات القرن الفائت تحول بعد ذلك إلى متحف للأسلحة القديمة، وآخر أعمال صيانة أجريت عليه كانت في العام 1958، ومنذ ذلك الوقت لم تجر عليه صيانة حتى يومنا هذا باستثناء محاولات خجولة من هنا وهناك، ففي العام 2003 كانت تولت بعثة اوروبية لصيانة هذا الباب أعادت بعض الأقواس والعقود والجدران المهترئة، لكن أمانة بغداد اتخذت قراراً بالتنسيق مع وزارة الدولة لشؤون السياحة والأثار لبناء منتجع سياحي وترفيهي قرب هذه المنطقة وإنقاذ هذا الباب مما يعانيه من الإهمال والأنقاض التي أثقلت قامته الممتدة على طول التاريخ.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تربوي يشيد بامتحان "البكالوريا" ويؤكد: الخطا بطرق وضع الأسئلة

إطلاق سراح "داعشيين" من قبل قسد يوتر الأجواء الأمنية على الحدود العراقية

(المدى) تنشر مخرجات جلسة مجلس الوزراء

الحسم: أغلب الكتل السنية طالبت بتعديل فقرات قانون العفو العام

أسعار صرف الدولار في العراق تلامس الـ150 ألفاً

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram