TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أوتي أبو الفحم

أوتي أبو الفحم

نشر في: 19 فبراير, 2013: 08:00 م

في أزقة بغداد القديمة  كان (الأوتجي) يحتل ركناً منزوياً لتقديم خدمات كوي ملابس الأفندية في (دكيكين) صغير مستخدماً مكواة الفحم في عمله لقاء مبلغ صغير جدا لا يتعدى العشرين فلساً بالعملة النقدية المعتمدة في ذلك الزمن ، وبعد دخول المكواة الكهربائية للاسواق المحلية وشيوع استخدامها في  المنازل ،  انقرض أبو الفحم  وانتهى به المطاف (أنتيكة) في المحال المتخصصة ببيع الأجهزة القديمة جداً .

  معاناة العراقيين وخاصة اهالي العاصمة بغداد من انعدام تطوير خدمات توفير الكهرباء الوطنية  وخضوعهم لسلطة وهيمنة ومزاج أبو المولدة ، وخيبتهم من الوعود الرسمية التي يطلقها المسؤولون  منذ سنوات بشأن إنشاء المزيد من مشاريع محطات التوليد ونقل الطاقة، وفي الصيف  ما بعد المقبل،  سنسمع  الإهزوجة الشهيرة:" يمه نتلني الأوتي صوجي لعبت بوايره"

قبل انقراض " أوتي أبو الفحم " ونتيجة علاقة الأوتجية المتينة مع الأفندية ، ليس من المستبعد اطلاقاً ان  يكونوا قد انضموا الى احزاب وقوى كانت تعارض وتنتقد ممارسات الوالي العثماني في بغداد ، وربما  امتد نشاطهم السياسي الى الجيل الحالي، ولكن بطريقة واسلوب آخر انطلاقا من متطلبات المرحلة ، ومستجدات الأحداث، وأسس إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول، وخاصة المتجاورة ، وهذه القواعد او الأسس لم تكن حاضرة لدى الجيل القديم، فالسياسية بحسب وجهة نظرهم "مضروبة أوتي " مسارها واحد  تشخص الأبيض والأسود وليست هناك مساحة مشتركة بين اللونين ،  وهذا الدرس القديم  يصطدم بحقيقة  " لا وجود لسياسية ثابتة  " وهذا ما عبر عنه احد اعضاء مجلس النواب عندما اكد  ان العلاقة بين بغداد وانقرة ستشهد في غضون الايام المقبلة مد جسور الثقة بين البلدين ، وهناك اطراف في داخل الحكومة التركية بدات تتحرك نحو العراق  بعد ان ادركت ان موقفها  تجاه سوريا بات مهددا بالانقراض كحال "اوتي الفحم ".

تزامنا مع اندلاع التظاهرات في بعض المحافظات ،  لتنفيذ مطالب تقع ضمن صلاحيات الحكومة وجه بعض النواب اصابع الاتهام الى تركيا،  لانها تقف وراء  تأجيج الشارع العراقي ضد حكومته المنتخبة ، وأحدهم طالب بطرد السفير التركي من بغداد ، ووضع حد للأطماع العثمانية الجديدة في العراق،  وصاحب الطلب حذر من مخطط تركي قطري في تنفيذ المشروع الاخواني نسبة للاخوان المسلمين في الوصول الى السلطة في اكثر من بلد عربي ، ياستار . بعد أيام قليلة من اطلاق هذا التصريح خارج السياقات الدبلوماسية، ينسف صاحب مد جسور الثقة بين بغداد وأنقرة ما ذكره زميله ، فأثار التساؤلات  وجعل علامات الاستفهام كبيرة جدا في الاذهان ، بشأن الموقف النهائي بخصوص طرد السفير او الاشارة الى  فتح صفحة جديدة  في العلاقات بين البلدين ،  وتجاوز الماضي بكل ما يحمل من تركة ثقيلة خلفها تبادل الاتهامات بين مسؤولي البلدين، ولعل من المناسب هنا الاشارة الى احتمال أن  يكون التصريح حيال التقارب التركي العراقي المحتمل ، مثل وعود تحسين  قطاع الكهرباء ، التي فرضت على العراقيين استذكار "الاوتي ابو الفحم"

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram