على بوابات سجن ايفين بطهران تطرح سيدات إصلاحيات أكثر الأسئلة إيلاماً في الشرق الاوسط، حول مصير حكمة بلاد فارس. بينما يتطور الصراع الغريب بين رجال المعسكر المتشدد ليدخل فصل إثارة بين فريق المرشد وفريق نجاد.
خالفت مؤخرا عادتي في الكتابة عن ايران مرة كل أسبوع، لان لعبة الشطرنج العراقية صارت اكثر تشويقا وقد بلغنا منتصف شوطها الأساسي. حركة الأحجار الذكية تقابلها حركات هستيرية تقلق لكنها تعني انفراجا من رحم القلق. وحين أعود اليوم لا تفقد أخبار إيران في صحافتها يفاجئني حجم التحول الذي حصل هناك خلال أسابيع. فالقوات المسلحة تتحدث عن مشروعية امتلاك طهران لجزء من القطب الجنوبي، بينما وزير زراعتها يعترف بأن معدلات الجوع الإيراني صارت افريقية بسبب مشروع نووي غامض وعقوبات قاسية. واذ تستعد بلاد فارس لانتخابات رئاسية صعبة في الصيف، في توديع درامي لاحمدي نجاد الذي أنهى ٨ أعوام في السلطة، فإن قادة المعارضة لا يزالون منذ ٤ أعوام رهن الإقامة الجبرية.
وتابع الإيرانيون بقلق الاسبوع الماضي مصير نرجس وكوكب وهن بنات مير حسين موسوي المعماري وزعيم الحركة الاصلاحية وزوجته زهراء وهي فنانة تشكيلية وسياسية بارعة تحدت خامنئي بنحو اثار الاعجاب. فالوالدان في الاقامة الجبرية ممنوعان من الحديث مع البشر. وتتولى البنات الحديث الى الصحافة احيانا لشرح وضعهما. والنتيجة جاءت على شكل مداهمة عند الفجر لمنزلهما واستجواب مرعب في محكمة ايفين.
ايران الاصلاحية تسأل نفسها على بوابة ايفين: هل نشترك في انتخابات الرئيس؟ وتصمت بألم لتتفرج على ايران المتشددة وهي تحلم بسيادة على القطب الجنوبي!
السيد باقري معاون قيادة الاركان في قواتهم المسلحة يزور مدينة تشابهار البلوشية مقابل بحر عمان وهي افقر مناطق ايران رغم وقوعها على خط التجارة الدولي. باقري يحمل وعودا ثورية لفقراء سيستان وبلوشستان لكنه لا ينسى ان يذكرهم بحلم اعلان السيادة على جزء من القطب المنجمد وراء استراليا. ومبرره ان الطريق الى هناك مفتوح اذ لا توجد يابسة تفصل ساحل سيستان عن ساحل القطب المنجمد!
والحديث عن الفقر في ايران ساخن هذه الايام، وفي اعتراف نادر يقول وزير الزراعة السابق عيسى كلانتري المسؤول اليوم عن مكافحة الفقر: لقد بات نصف الايرانيين يعانون سوء التغذية اليوم بمعدلات تشبه جوع البلدان الافريقية. انهيار التومان ونقص تصدير النفط والعقوبات، جعلا المزارع الايراني ضعيفا، وأشعلا اسعار الغذاء. صارت ايران في المرتبة السادسة عالميا على خط التضخم. ابناء بلدان النفط يسدون جوعهم بالاسعار المرتفعة وايران لن تبيع هذا العام سوى ٣٠ في المائة من طاقتها التصديرية لان الدنيا بدأت تلتزم بالعقوبات. ومن اصل ٩٠ مليون ايراني هناك حسب الوزير، ٤٥ مليون مواطن يأكل مثل فقراء افريقيا، حتى لو ظل الحرس الثوري يحلم بثلوج القطب الجنوبي ألف سنة.
ايران الجائعة تتفرج على صراع ايران المتشددة التي تدخل مرحلة كسر عظم في صراع فريق خامنئي وفريق نجاد، فصحف مقربة على رئيس البرلمان لاريجاني احتفلت صباح الاثنين بمانشيت يقول "فضح المدراء الفاسدين في انظف الحكومات" ساخرة من نجاد الذي زعم قبل عودة القرد الايراني من الفضاء بساعتين، ان حكومته هي الانظف عبر تاريخ ايران.
صحف لاريجاني لم تتجرأ على هذا الا حين نشرت صحف خامنئي اخبارا شامتة تتحدث عن ١٣ شخصية من فريق نجاد متهمين باختلاس مئات الملايين من الدولارات في اسوأ سنوات الفقر. والكشف عن هذه الاسماء وبينها رحيم مشائي صهر نجاد، جاء بعد ان بعث الرئيس رسالة غير مألوفة الى المرشد وصفت بالفارسية بأنها "دهان كاجي" اي ضربة غير لائقة. المتشددون انتهوا من اخضاع الاصلاحيين ثم انشغلوا بصراع على التشدد نفسه، وما يخفيه من صراع على المال والحظوة والنفوذ. والانتخابات القريبة تصعب كل شيء، والجوع واسئلة الالم على بوابات سجن ايفين، تجعل السيدتين كوكب ونرجس واجيالا شابة وجائعة، وسلطة تعتقل احلى مفكري ايران، وتضم لهم السيد احمد القبانجي الذي لا نعلم عن مصيره شيئا حتى اللحظة، في رهان ابعد من القطب المنجمد، واكثر سخونة من شواطئ تشابهار.