ليس هو الأول، ولن يكون الأخير، فتاريخنا العربي الإسلامي، كما تاريخ أوروبا وأمم أخرى في عصورها المظلمة، حافل باضطهاد العلماء والمفكرين والصناع الأحرار. والآن ينظم أحمد القبانجي إلى الكوكبة الزاهرة من مفكري الأمة الذين صادفوا العنت والطغيان في حياتهم وأعيد الاعتبار إليهم بعد مماتهم الذين تم في الغالب على نحو شنيع، ومازالوا يحظون بالتبجيل بوصفهم اعلاماً مرموقين وعلامات فارقة في مسيرة الحضارة الإنسانية.
ابن المقفع الذي لم يزل يُقبل على أدبه ويُبجل حكاياته وحكمه، في "كليلة ودمنة" خصوصاً، العرب بدياناتهم المختلفة والمسلمون بمذاهبهم الخمسة، أُتهم بالزندقة في عهد الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور الذي نفخر الى اليوم بأنه بنى عاصمتنا وجعل منها عاصمة للدنيا كلها، وقطعت حاشية الخليفة، بأمر من الخليفة، يديه ورجليه وفصلت رأسه وألقت بباقي جسده في النار.
وتهمة الكفر والزندقة لاحقت أيضاً الجاحظ، وكذا المتصوف الإسلامي الشهير الحلاج، المبجل هو وأدبه وأفكاره الى اليوم، حكم عليه في عهد الخليفة المقتدر بالموت، وقبل أن تُضرب عنقه وتُحرق جثته بالنار ويُلقى برمادها وما تبقى منها في دجلة، عُذّب تعذيبا شنيعاً بضربه بألف سوط وبقطع أطرافه كذلك.
والمتصوف السهروردي لاقى مصير الحلاج في عهد صلاح الدين الأيوبي. بل إن الإمام ابن حنبل سجنه الخليفة المعتصم وعذبه. والفيلسوف الذي تفخر به العرب إلى اليوم، الكندي، جُرد من ملابسه وهو شيخ في الستين من عمره وجُلد ستين جلدة في ميدان عام وسط التكبير والتهليل من العوام، بسبب آرائه وأفكاره بالطبع، والفيلسوف الفارابي رُمي هو الآخر بتهمة الإلحاد.
الرازي ضربوه على رأسه بكتبه حتى فقد البصر، وابن رشد أحرقوا بيته وكتبه وأتهم بالزندقة والإلحاد أيضاً، وهي تهمة لم ينج منها أيضاً ابن سينا وابن خلدون والشاعر المعري.
وخلال ربع القرن الماضي قتلوا حسين مروة وفرج فودة وسعوا لقتل نجيب محفوظ ذبحاً وفرّقوا بين نصر حامد أبو زيد وزوجته بسبب أبحاثه، وقبل ذلك منعوا كتب طه حسين ونجيب محفوظ من التدريس في المدارس والجامعات.
احمد القبانجي يُقبض عليه في إيران .. ليس الأمر عجباً، فإيران "الثورية" أعدمت المئات من خيرة المفكرين والعلماء، العلمانيين والدينيين، والناشطين السياسيين والمدنيين الأحرار وألقت في السجون بمئات آخرين مثلهم، وقمعت كل تطلّع الى الحرية، واحمد القبانجي مفكر حر، فما العجب في أن يُحبس في إيران؟
اعتقال احمد القبانجي في إيران يثبت انه على حق في نمط تفكيره الليبرالي.
وباعتقاله إنما يُدخل احمد القبانجي نظام الجمهورية الاسلامية الإيرانية وقيادتها في المعتقل، أما هو فيبقى حراً بفكره الحر الذي ليس في وسع أعظم قوة على الأرض أن تحبسه.
القبانجي يعتقل الجمهورية الإسلامية
[post-views]
نشر في: 19 فبراير, 2013: 08:00 م
جميع التعليقات 3
رمزي الحيدر
أن الاسلام السياسي أثبت بانه لا يستطيع أن يتعايش مع العصر .أن تجارب الأسلام السياسي الذي في السلطة و خارج السلطة في الدول العربية و الاسلامية وخير مثال ايران ,السعودية , قطر,مصر وتونس تؤكد أن هذه الأحزاب توجهاتها ضد الأنسانية تتشابه لحد كبير مع الفاشية في
suham alsaadawi
استاذ عدنان كل ما ذكرته كله صحيبح لكن في العصور الاولى لظهور الاسلام ,وفي العصر العباسي كان عصر التاليف والترجمه ولنقل هناك نهضه ,والذي يقتل او يسمم لا احد يعرف به لا حقوق الانسان ولا مناهضة العنف ولا الامم المتحده ,اما الان هناك حقوق انسان وامم متحده ومط
hazim
مقال جميل