نادرا ما انتبه احد أو تساءل لماذا توجه اعداد هائلة من البرامج الى المرأة وحدها؟ و لماذا تعامل , تلك البرامج , المرأة وكأنها جزء منفصل ومنعزل عن العائلة, في حين انها جزء لا يتجزأ من المجتمع الكبير والمجتمع الصغير ( العائلة ) والمفروض ان توجه الب
حميدة العربي
نادرا ما انتبه احد أو تساءل لماذا توجه اعداد هائلة من البرامج الى المرأة وحدها؟ و لماذا تعامل , تلك البرامج , المرأة وكأنها جزء منفصل ومنعزل عن العائلة, في حين انها جزء لا يتجزأ من المجتمع الكبير والمجتمع الصغير ( العائلة ) والمفروض ان توجه البرامج الى جميع افراد العائلة رجالا ونساءا كبارا وصغارا, لكن وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة ثم المرئية ( لاحقا) ومنذ انطلاقتها في بدايات القرن العشرين وضعت المرأة في قالب منعزل عن المجتمع وعاملتها بتمييز وتفرقة وكأنها اقلية طارئة على المجتمع وحددت اهتماماتها بمثلث ثابت هو: الازياء والطبخ والمكياج , ورغم مرور ما يقارب القرن من الزمان على النهضة الادبية والاعلامية الا انهم ما زالوا يوصلون للمرأة نفس المعلومات ونفس النصائح والارشادات دون الاخذ بنظر الاعتبار التطورات الحضارية والاجتماعية والعلمية الهائلة التي حدثت خلال العقود الماضية فما كان يقال للمرأة قبل خمسين سنة يقال للمرأة الحالية وبنفس الاسلوب التوجيهي الوعظي الذي لا يخلو من اوامر وتحذيرات مبطنة بالتهديد والوعيد والتخويف من مصير مجهول ان هي حاولت ان تكون مختلفة وكأن المرأة ليس لها من اهتمامات غير ذلك الثالوث الازلي ( الازياء , الطبخ, المكياج ) بل زاد الامر وتطور فاصبحت هناك برامج خاصة للازياء واخرى تتفنن بآخر صيحات المكياج و ثالثة تنفرد للطبخ والتسوق وبتفاصيل كثيرة واساليب حديثة متنوعة, تصرف عليها اموال طائلة و يوظف فيها الكثير من عديمي الاختصاص و قليلي الخبرة وتضيع معها اوقات طويلة من الزمن.. كل ذلك حصل بتخطيط وتدبير مقصود من العقلية الذكورية لافهام المرأة انها تختلف عن الرجل ولا يمكن ان تساويه او تجاريه في قدراته وامكانياته, وانها دائما بحاجة الى النصائح والارشادات والرعاية من الرجل, وبنفس الوقت الهاء المرأة واشغالها عن حقوقها وحريتها بالازياء والطبخ والمكياج والتركيز على الشكل الخارجي والمظاهر دون التفكير بتطوير نفسها فكريا واجتماعيا وثقافيا ومهنيا وابعادها عن المراكز المهمة في صنع القرار والاقتصاد والقيادة. فشاعت ثقافة مؤسفة بتفضيل المرأة الجميلة السطحية ( وحتى الغبية) سواء في الزواج او الوظائف والاعمال. فالرجل يفضل الجميلة الجاهلة على الجميلة المثقفة لكي يسيرها على هواه وحسب مشيئته. وقد ساهمت المرأة في تثبيت وترسيخ ذلك التمييز الصارخ ضدها بقبولها واستجابتها ومتابعتها لذلك النوع من البرامج, حتى اصبحت تلك البرامج من الاركان الاساسية والموجبة في اي وسيلة اعلام عربية, في حين لا تحوي الصحف او القنوات الغربية زوايا او برامج مخصصة للمرأة, فكل ما يعرض او ينشر يقدم بصيغة الجمع وليس للمرأة فقط! بعكس مضامين وعناوين البرامج, عندنا, والتي تقصد المرأة بشكل سافر مثل: لك سيدتي, جمالك, عالم المرأة.. الخ واذا ظهر عنوان عام مثل: دنيا الاسرة او عالم الاسرة فأن مضمونه وحديثه موجه للمرأة فقط وكأنها المسؤول الوحيد والاوحد عن الاسرة! ولا تقدم برامج موجهة للرجل تعلمه الطبخ والازياء والعناية بالاسرة بأعتباره طرفا اساسيا فيها!
و حتى البرامج، القليلة ، التي شذت عن القاعدة و قدمت مواضيع موجهة الى المجتمع عن المرأة ظلت تلامس مشاكل المرأة من السطح دون الغور في أعماقها أو طرح حلول أو مقترحات للخلاص أو للتخفيف من تلك المشاكل، أخص بالذكر برنامج قدم على القناة الرسمية العراقية عنوانه ( السيدات اولا!) وعنوان كهذا يبدو براقا وجذابا كالشعارات السياسية عن الديمقراطية ومشتقاتها او كمن يقف في صحراء قاحلة ويحاول اقناع الناس انها جنة مزدانة , لقد ظل يلف و يدور على المواضيع من الخارج حتى في أحسن حلقاته عن، الأمية بين النساء ، لم ينجح في لفت الانتباه الى تلك الافة التي تفتك بمصير الملايين من النساء، ولم يستضف المسؤولين المباشرين عن الموضوع أو يستعرض المصاعب والعوائق التي تواجه المرأة بسبب الأمية. وفي أردأ حلقاته حول ، التأثير السلبي والايجابي للدراما على المجتمع، تم التركيز على السلبيات فقط و أجمع الضيوف، والمذيعة، أن أسوأ ما في الدراما هي قصص الحب فهي السبب الأساسي، برأيهم ، في تشويه أخلاق المجتمع! وأدانت المذيعة بشدة تلك القصص! لكنهم لم يطرحوا شيئا بديلا عن الحب وقصصه .. هل هو الكره مثلا ؟
أن برامج من هذا النوع تحتاج الى مقدمة ، أو مقدم ، ذو ثقافة عالية وخبرة واطلاع ومعلومات في الاجتماع و التربية وعلم النفس و الاقتصاد والاعلام وليس مذيعة تبحث في كون الأمور حلال أو حرام فقط ! ويحاول القائمون على هذا النوع من البرامج الايحاء بأنهم مع المرأة، لكن مع المرأة التي يريدون تكوينها حسب ثقافة معينة و بقوالب ذكورية الصنع، المرأة التي لا تفكر ألا بالرجل و تعتبره هدفا، ما أن تحصل عليه حتى تتوقف حياتها و تصبح تابعا له.
والمتتبع لوضع المرأة العراقية ومنذ عقود طويلة يكتشف, وبوضوح, ان السيدات ( النساء ) اولا.. بالظلم والاضطهاد والتفرقة.. بالقمع والاستغلال والحرمان من الحقوق. بالنظرة الدونية والاهانة والانتقاص من الكرامة. بالنصيب الاوفر من الجهل والتهميش والاقصاء عن مزايا الحياة والعيش الكريم. فهل تطرقت برامج المرأة, منذ بدايتها لحد الآن, الى واحدة من هذه الحالات التي تعاني منها المرأة؟ الا يفترض بتلك البرامج ( النسائية ) ان تساهم وتعمل على دعم المرأة وتطالب بحقوقها ومساواتها وتنزل معها الى اماكن العمل والدراسة والفلاحة وحتى البيوت, لتعرض معاناتها ومطاليبها وترد على كل من يحاول ان يسلب المرأة انسانيتها وحريتها بدل ان تحصرها في دائرة النصائح و الارشادات وتطوقها بمثلث الازياء والطبخ والمكياج وتغلق امامها منافذ الحياة الاخرى او تبعدها عنها, وتستضيف رجالا ونساءا بعقليات منغلقة يتحدثون ضد المرأة وحقوقها او في احسن الاحوال يستعرضون ويؤكدون معاناة المرأة واسبابها دون التطرق الى الحلول التي تساعد على تحسين الاوضاع المزرية التي تعيشها المرأة, ويختمون احاديثهم بعبارة استسلام مقيتة: ماذا نفعل, هذا هو مجتمعنا؟ !
متناسين دور وسائل الاعلام وتلك البرامج في أحداث التغيير المطلوب في المجتمع؟
العقلية الذكورية، عادة ، تتردد أو تماطل أو تتراجع عندما يتعلق الأمر بمصلحة المرأة
لقد اثبتت الوقائع الحياتية ان النساء اولا: بالصبر والتضحية والتنازل.. اولا بالكدح والاشغال الشاقة من سن المراهقة الى السبعين.. اولا بالاو امر والممنوعات والقيود.. وان البرامج النسائية تمييز صارخ ضد المرأة واسلوب ناجح ومقصود لعزل المرأة وتحييدها وتثبيتها في القالب الذي يريده لها الرجل ذو العقلية الذكورية
البرامج الموجهة للمرأة بحاجة الى تغيير جذري في طبيعتها و مضامينها و توجهها الذي يفترض أن يكون للأسرة بأكملها و ليس لفرد واحد منها , أذا كنا نبغي بناء مجتمع مدني متحضر ( ديمقراطي ).
جميع التعليقات 2
فيحاء السامرائي
حقاً، موضوع يستحق الاهتمام، فتلك البرامج تخاطب عقلية لاتواكب العصر فيما يخص المرأة أو التغييرات الحاصلة في المجتمع، أو حتى بمستوى الطموح المأمول في الارتقاء بالأوضاع الاجتماعية، ومن الأجدى أن تكون كذابرامج، كما أقترحت الكاتبة، موجهّة للأسرة عموماً، لا للم
رفاه الامامي
لأهمية المرأه ودورها في المجتمع وهي القيادية والمربية والموجهه والمرشدة، أجد في الطرح الجميل للكاتبة المبدعة حميدة العربي أهمية كبيرة بمستوى الدور المهم الذي تقوم به سيداتنا العراقيات ، والتطرق الى موضوع البرامج وفحواها وتقديمها سابقة لم تحظ بها مواضيع عد