TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > من أجل أن تبتسم العمامة

من أجل أن تبتسم العمامة

نشر في: 20 فبراير, 2013: 08:00 م

كثيرون يصفوني بأني صاحب "حسجة"، وإن صح وصفهم، فلقد أخذتها عن معاشرتي لرجال الدين في طفولتي يوم كانوا يزورون أبي أو يصطحبني حين يزورهم. لفت انتباهي انشغالهم بكتاب "زهر الربيع" لآية الله السيد نعمة الله الجزائري الزاخر بطرائف الأدب المكشوف. يزيدونه ملحا وبهارات بحكاياتهم ونكاتهم. يتبادلون الأشعار والأبوذيات إلى جانب سير الأنبياء والأئمة. مجالسهم مدارس قد تغنيك عن قراءة كتاب.

جرني إلى ذكرهم ليلة البارحة البيان الذي أصدره العلاّمة السيد إياد جمال الدين حول اعتقال المفكر العراقي احمد القبانجي من قبل السلطات الإيرانية. ضرب في بيانه أمثلة عن روح التسامح والوعي التي كان يتحلى بهما الإمامان علي بن أبي طالب وجعفر الصادق. فالأول يتحاور مع الخوارج الذين يكفّرونه ويفرض على أتباعه أن لا يشتمونهم. والثاني يتحاور بكل ود مع ملحد يحاججه في وجود الله فيرد عليه الحجة بالحجة دون أن يبيح دمه. واضح انه أراد تنبيه الحكومتين العراقية والإيرانية إلى أن المذهب الشيعي هو مذهب الاجتهاد لا مذهب المستبدين.

ذكرتهم، فحنّ قلبي لأيام خلت كانت العمامة تشعرني فيها بالأمان. كنت أسألهم عما يخطر ببالي دون خوف. أقرأ عليهم ما أكتبه من قصائد شعبية وما أحفظه من أبوذيات ودارميات حتى صارت عندي قناعة بأن المعممين يحبون الشعر الشعبي ويحبهم.

في أواسط الستينات علت بالعراق صيحة تنادي بعدم "الاعتراف" بالشعر الشعبي قادها سياسيون ومثقفون بحجة الحفاظ على سلامة اللغة العربية. ولأجل أن نقوم بحملة مضادة صرنا نجمع تواقيع ونستنجد بأسماء مهمة لرد تلك الصيحة.  كنا مجموعة من شعراء شعبيين في عز الشباب، قد قصدنا الشاعر السيد مصطفى جمال الدين. قال لنا انقلوا عني "أن قضية الاعتراف بالشعر الشعبي لا بد منها كقضية الاعتراف بالصين الشعبية".

في أحد لقاءاتي المتكررة بالعلامة والشاعر السيد محمد بحر العلوم بلندن، حكى لي قصة خروجه من الكويت في أيام صدام إلى مصر التي اختبأ فيها إلى أن يجد له منفى آخر. قال لي إن مكان اختبائه كان موحشا يشبه السرداب. كشف لي عن حنينه في تلك اللحظات إلى زوجته أم إبراهيم وقلقه عليها. اخبرني أن ما كان يسليه ويخفف عنه الوحشة أغنية "لا خبر"التي كان يأتيه صوتها من مقهى قريب. دمعت عيناه وهو يقول لي انه كان يترقب سماعها وكأنه يرى أم إبراهيم ويشم رائحة العراق من خلالها.

ويوم التقيت بالمفكر السيد هاني فحص بالكويت في العام 2004، وجدته هو الآخر مغرما بالشعر الشعبي العراقي. ما زالت تمثل أمامي صورة تمايله إعجابا بواحدة من الأبوذيات التي قرأتها عليه. في يومها كانت لدي أمسية شعرية أقامتها رابطة الأدباء هناك. وحين اتصل بي بعض الأصدقاء، وبينهم المطرب الرائع فؤاد سالم، ليسألوني عن مكان الأمسية سألت مندوب الرابطة، الذي كان جالسا قرب السيد، عن المكان فقال لي: أخبرهم انه بقرب المسجد الفلاني. رد عليه السيد: شوفله غير وصف فجماعته لا يعرفون طريق المسجد! ضحكت في آنها من كل قلبي على تلك الروح السمحة والمرحة. لاحت لي عمامته مبتسمة مثل وجهه.

أقول هذا وحسرة تنتابني حين أرى بعض العمائم تتصارع في داخل مجلس النواب وقد أقحمها أصحابها بالسياسة. أراها اليوم تبكي كالغريب الذي أجبرته الأيام على العيش في مكان ما كان يجب أن يكون فيه.

أناشدكم يا رجال ديننا الأجلاء أن تبعدوا العمامة عن هذا المكان. لا من أجل البرلمان، بل من أجل أن تعيدوا للعمامة ابتسامتها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

(المدى) تنشر نص قرارات مجلس الوزراء

لغياب البدلاء.. الحكم ينهي مباراة القاسم والكهرباء بعد 17 دقيقة من انطلاقها

العراق يعطل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

البيئة: العراق يتحرك دولياً لتمويل مشاريع التصحر ومواجهة التغير المناخي

التخطيط: قبول 14 براءة اختراع خلال تشرين الثاني وفق معايير دولية

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram