TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الإرهاب بـ 4 إرهاب

الإرهاب بـ 4 إرهاب

نشر في: 22 فبراير, 2013: 08:00 م

كنا نحو ثلاثين مثقفاً وناشطاً مدنياً من النساء والرجال.. لم نموّه شخصياتنا، فلم نضع على وجوهنا أقنعة.. ارتدينا ثيابنا النظيفة المرتبة كعادتنا كل يوم.. لم يحمل أحد منا أي آلة جارحة أو حتى خادشة للجلد، كعيدان تنظيف الأسنان أو الآذان مثلاً.. كل ما حملناه هو مجموعة أوراق كتبنا على إحداها مذكرة إلى السفير الإيراني في بغداد، فيما البقية حملت أسماء وتوقيعات تسعين شخصاً من المثقفين والناشطين.
المذكرة تضمنت بضعة سطور رجونا فيها سعادة السفير أن يساعد في الكشف عن مصير المفكر أحمد القبانجي المعتقل منذ نحو أسبوع في إيران، وأن يبذل جهوده لإطلاق سراحه في الحال، مع مقدمة وخاتمة تحملان معاني الاحترام.
توجهنا إلى السفير ليس بدعة فهو أرفع ممثل لبلاده في بلادنا، ومن واجبات السفير أن يستقبل من لديهم قضية مع سلطات بلاده.
كنا نأمل أن نلاقي الترحيب من طاقم السفارة الإيرانية، وأن نسمع كلاماً طيباً، كما تفعل عادة كل السفارات التي تحترم نفسها وتمتلئ بالولاء لوطنها ودولتها. وللأسف لم يتصرف طاقم السفارة على هذا النحو يوم الخميس، فحرس المبنى أغلقوا الباب في وجوهنا بسرعة الضوء ولم يردوا على سؤالنا: هل يمكننا أن نقابل مسؤولاً في السفارة؟
وقفنا لبعض الوقت بجوار الحائط الكونكريتي الحامي لمبنى السفارة، كررنا خلاله القرع على باب السفارة ولا مجيب.
في هذه الأثناء تزايد عددنا إلى نحو مئة، واضطرنا موقف السفارة السلبي الذي توقعناه في الواقع الى رفع شعارات وإطلاق هتافات تطالب بإطلاق السيد القبانجي.
بعد نحو نصف ساعة جاءتنا قوة من الجيش.. أرادتنا ان نتفرق فأفهمناها بأننا لا ننظم تظاهرة وإنما نسعى لأن تقابل مجموعة صغيرة منا السفير الإيراني او من ينوب عنه. قائد المجموعة بدا متفهما لموقفنا.. توصلنا إلى اتفاق معه بأن يسمح لأربعة أو خمسة منا تسليم المذكرة وان يتفرق شمل الآخرين، وهذا ما كان، ولكن القوة المسؤولة عن حماية السفارة لم تسمح إلا لثلاثة منا بالدخول، بل إننا اكتشفنا أنهم أدخلونا إلى غرفة مسؤولهم في وحدة حماية السفارة وليس إلى السفارة.
هذا المسؤول أراد أن يخيفنا في ما يبدو، فهو استهل كلامه بأننا نظمنا تظاهرة غير مرخصة وإننا بذلك نقع تحت طائلة المادة (4) من قانون مكافحة الإرهاب!!
لا أدري إن كان هذا القائد قد اطلع على قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005، فالمادة الأولى منه تُعرّف الإرهاب بأنه "كل فعل اجرامي يقوم به فرد أو جماعة منظمة استهدف فرداً أو مجموعة أفراد أو جماعات أو مؤسسات رسمية أو غير رسمية أوقع الأضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة بغية الاخلال بالوضع الأمني أو الاستقرار والوحدة الوطنية أو ادخال الرعب أو الخوف والفزع بين الناس أو اثارة الفوضى تحقيقاً لغايات إرهابية". وبالطبع فان ما قمنا به لا يدخل في اطار الافعال الإجرامية العادية ولا يقترب بأي درجة من الأفعال الارهابية التي حددتها المادة (2) من القانون. ولا أدري كيف استسهل هذا القائد التلفظ بـ(4) ارهاب، وهي مادة تحكم بالاعدام على من ارتكب فعلا إرهابياً وبالسجن المؤبد على من أخفى إرهابياً أو تستر على عمل إرهابي.
الترهيب بـ"4 إرهاب" على هذا النحو انما يوسّع الشق في العلاقة بين القوات المسلحة والناس.. انه يعكس عقلية استبدادية وقمعية من نمط العقلية التي كانت سائدة في عهد صدام... لماذا عارضنا صدام إذن؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. علي عباس

    يعني العراق لا يحتاج إلى قانون ضدالإرهاب، صار بلداً آمنا.المشكلة أن السيد الكاتب يجير حتى أخطاء السفارة الإيرانية للتهجم على الحكومة العراقية.حسبي الله ونعم الوكيل

  2. كاطع جواد

    تحية طيبة استاذي العزيز وأعانكم الله على ما بذلتموه من جهد ..سفارة أيرا ن في العراق الجديد هي كسفارة الفاتيكان في الدول المسيحية فاي تقرب منها حتى ولو كان بصورة سليمة هو تجاوز على شيء مقدس ،كيف تطاولتم على هذه السفارة بالتقرب منها وقرع بابها احمدوا ربكم

  3. رمزي الحيدر

    الظاهر لحد الآن عندك تصور بأن هذا النظام هو نظام ديمقراطي ،أستاذنا العزيز يجب أن لا تخدع نفسك أن هذا النظام أسوأ من نظام صدام حسين ،وكما كتبت أنت سابقاً أن هذا النظام أسوأ نظام في تأريخ العراق الحديث٠

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram