ما أن هدأت حدة الهجمات التي كان يشنها إعلام النظام السوري ضد الأردن، حتّى بادرت أجهزة إعلام مؤيدة للمعارضة إلى الغمز من الموقف الأردني، حد اتهامه بالتواطؤ مع الأسد، وصولاً إلى تهمة التعامل بإهمال مع اللاجئين السوريين إلى الأراضي الأردنية، والذين يقترب عددهم من 400 ألف لاجئ، تعجز حتى الدول الغنية والمقتدرة عن استيعابهم، في حين يعرف الجميع، بمن فيهم معارضو النظام السوري، أن الأردن بلد فقير بكل المقاييس، وأنه يعتمد على المساعدات العربية والدولية لتمشية أموره، وبات أكثر اعتماداً على هذه المساعدات للوفاء باحتياجات الأشقاء السوريين اللاجئين إلى أراضيه.
مؤخراً أخذت الاتهامات شكلاً أكثر حدةً، حين زعمت بعض أجهزة إعلام المعارضة السورية، أن الأردن يزود الجيش النظامي في المناطق الجنوبية من سوريا باحتياجاته من الوقود، وهي تهمة متهافتة يسهل الرد عليها بالقول، إن من أهم أسباب الأزمة الاقتصادية في الأردن الحاجة إلى النفط، الذي يستورد كل احتياجاته منه من الخارج، إضافة لتهمة ملاحقة مؤيدي الثورة، وغض النظر عن نشاطات مؤيدي الأسد، وهنا لابد من الإشارة إلى أن الأردن يخشى من تمكن المتطرفين من السيطرة على الأمور في دمشق، ما يخل بالتوازنات الدقيقة في المنطقة، وهي مخاوف تدفعه لملاحقة أي من أعضاء جبهة النصرة من الأردنيين، الراغبين في القتال ضد الأسد.
لا يعني كل ذلك تغيراً في السياسة الأردنية المعلنة تجاه ما يجري في جارتها الشمالية، فمواقف عمان معروفة منذ اندلاع الأزمة، وهي مؤيدة لمطالب الشعب السوري في الحرية والديمقراطية، لكنها ترفض أي تدخل خارجي عسكري، بعد أن شهدت نتائج ذلك في العراق، والجيش الأردني يبذل كل جهده لمساعدة اللاجئين السوريين على العبور بأمان، وليس سراً أنه اشتبك أكثر من مرة مع الجيش السوري، لتوفير الحماية لقوافل السوريين، الهاربين من جحيم المعارك في وطنهم، كما أن صانع السياسة الأردنية يقف محايداً تجاه المشاعر الشعبية، سواء كانت مع أو ضد نظام الأسد، فالمتظاهرون يجدون كل الحرية في التجمع أمام السفارة السورية في عمان للتنديد بالنظام، ومؤيدو الأسد أحرار في السفر إلى دمشق لتأييد نظام الممانعة والمقاومة.
ما يهم عمان أن لا يتطاير شرر ما يجري في سوريا إلى داخل حدود الأردن، وأن لا يحسب الأردن نصيراً لأي من الطرفين، فالسفارة السورية في عمان تمارس نشاطها بحرية، حتى وإن تعدى المتعارف عليه دبلوماسياً، وليس بعيداً عن مبناها يقيم رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب، وتتوفر له حماية رسمية خشية استهدافه، والأردن الذي لم يغلق نقاطه الحدودية مع سوريا، يستقبل أيضاً عدداً من المعارضين لنظام الأسد، وهم من غير حملة السلاح، ومن الداعين للتوصل إلى حلول سياسية بالتفاوض، لتجاوز المحنة التي تضرب الشعب السوري من حوالي عامين، فقد فيهما ما يقارب التسعين ألف قتيل.
بين ناري النظام السوري ومعارضيه، يتمسك الأردن بموقف الحياد، وبخيار النأي عن ارتدادات الزلزال السوري، التي تطاول اليوم حدوده مع لبنان، وتقترب من حدوده مع تركيا التي استعدت لذلك بالباتريوت الأطلسي، وليس مستبعداً أن عمان تأخذ موقف الحياد، لأنها تفكر بدور في حل الأزمة السورية، على أن يتم ذلك بغطاء دولي مدعوم عربياً، ولعل زيارة الملك عبد الله الثاني لموسكو، واجتماعه المغلق مع بوتين خطوة في هذا الاتجاه، في وقت يرجح فيه الكثير من المراقبين أنّ واشنطن سلمت الملف السوري لروسيا.