حين اطرح دعوة لبدء حوار فوري ينتدب إليه الحكماء والعقلاء في البلاد، هدفه تصميم قواعد لعبة منصفة للجميع تجنبنا سماع طبول الحرب، وحين أقول ان على الحاكم الشيعي ان يتوقف عن الزعم بأنه يريد ظلم الاخرين كي يدافع عني وعن عائلتي.. حين اردد ذلك يعلق بعض الاحبة بأن هذا كلام حسن لكنه مثالي جدا وحالم ومبالغ فيه. اما انا فلست بحاجة للدفاع عن وجهة نظري، ولكنني بحاجة الى ان اسألهم: اذا كان كلامي مثاليا وحالما غير قابل للتطبيق، فهل يعني ذلك انكم ايها الواقعيون تريدون ان تحاربوا وترفعوا السلاح بوجه الآخرين؟ هل تحسبون ان التطاحن الدموي سيكون حلا عمليا غير حالم ولا مثالي؟
والخطير في الامر ان هذا التصور الذي يقول عن نفسه انه "واقعي"، لا يقتصر على معلقين او شباب فيسبوك، بل موجود في عقول العديد من الساسة، ومن الطرفين ايضا. لكن تعالوا نقيس مساحات رقعة شطرنجنا هذه اللحظة.
وعلينا ان نعرف اولا، انه ليس هناك من يحلم بالقضاء على الانقسام الطائفي، لكن في وسع الحكماء ان يقلصوا آثاره ويخففوها، كما ان في وسع الحمقى او الاشرار او البدائيين الغريزيين، ان يشعلوا الانقسام ويأخذوه الى اقصى مدياته.
العقلاء عبر التاريخ والذين خففوا آثار الانقسامات القومية والدينية، انتهوا الى صيغة الدولة المدنية الحديثة حيث توفر صيغة تعايش معقولة تجدونها حتى عند البلدان نصف المتقدمة. وهذا امر توجد نواته في العراق الذي يمتلك برلمانا تعدديا وصيغة اولية لتعدد ثقافي وسياسي، وانفتاحا نسبيا يمكن ان يضعه على سكة قطار العالم الحر.
وهذا نموذج حاول ويحاول ان يقربنا منه، اشخاص بذلوا جهدا مشكورا مثل العلامة عبد الملك السعدي ومرجعية النجف، الى جانب مراكز قوى سياسية تعاملت باعتدال وحكمة مع تظاهرات المنطقة الغربية مثل التيار الصدري والمجلس الاعلى والكردستاني. وهو خيار قد ينتهي بوضع اساس لاقليم المنطقة الغربية داخل عراق موحد يضع ملف الامن المحلي بيد مراكز القوى هناك ويمنحهم ضمانات ان لا يصلهم ظلم وحيف، والخيار مطروق حتى في محافظة مهمة مثل البصرة وقد أتى به الدستور.
اما الخيار الثاني فيقول ان الطريق السابق مثالي بل هو طريق "جبان ومتخاذل". وحلفاء الفريق السياسي والعسكري للمالكي وبعض متطرفي المنطقة الغربية يتبادلون الاتهامات بطريقة متعسفة ويتحدثون عن ثارات ابدية في هذا الاطار. ثم يقولون ان امثال عبد الملك السعدي الذين يتحدثون عن الصلح "مثاليون". وان امثالي من الكتاب الداعين لتصميم عقد اجتماعي يخفف الانقسام، غير واقعيين. وهذا يعني ان الواقعية لديهم تساوي صب الزيت على النار وفق قاعدة "اذا لم اكن سلطان البلاد فلن اتردد في حرقها".
انني وغيري نسأل هؤلاء: لو كنت انا مثاليا حالما فهل حقا انك انت الواقعي مستعد لحمل السلاح ضد اهلي في البصرة، او ضد اهلنا في الانبار؟
انني امثل شريحة من كل الطوائف تريد حلولا معقولة جرى تطبيقها في بلدان من العالم الثالث، ووضعت حلا للنزاع. ويمكننا ان نرى فرشة واسعة من الحلول طالما يلتئم حوار مسؤول بتمثيل دولي واقليمي، يستطيع ان يضع العقلاء في الصف الاول، ويستبعد من المفاوضات اولئك المتسرعين الذين يمارسون التظليل الطائفي على الجانبين.
ان الحلول الحكيمة امامكم، لكن اصحاب خيار الحرب نوعان، اولهما اهوج بدائي غير مدرك لخطورة الموقف. وثانيهما يملك المال والسيف ويريد ان يعتاش على الحرب، لانه بلا حظوظ في زمن السلام.
من السهل جدا ان يكون المرء زعيما في الحرب، ويكفي ان يتعلم الزعيق وقليلا من "قوة القلب" تمكنه من رؤية شلالات الدم، لكن من الصعب ان تتحول الى قيادة تدير اوضاعا معقدة وتؤسس سلما اهليا وتتواصل مع شركائك، وتقدم استعراضا حلوا عن بلدك لكي يغري الاخرين بالمجيء اليك ودمجك بالعالم المتقدم ومعاييره الحديثة، ومساعدتك في مرحلة البناء.
من السهل ان تكون زعيما يبكي على امته المذبوحة، مع ان امته المذبوحة ذبحتها سكاكين جهله وبدائيته وغريزيته، لكن من الصعب الا على الرجال المتحضرين، ان يقودوا امة في طريق بناء وسط عالم مليء بالفرص ولكن محاط بالتحديات وبالمنافسة الشرسة لدول ومحاور قوية ومتقدمة.
ان المثالية غير القابلة للتطبيق، هي شعورك بأن السيف الذي في يدك يمكن ان يخضع الجميع ويجعلهم يركعون تحت قدميك. بهذه المثالية والاحلام قادنا صدام حسين الى الخراب. واذا اردنا الانتقال الى طريق عملي جربته قبلنا امم سابقة، فعلينا ان ندقق فقط كيف تعامل عقلاء الشيعة والسنة مؤخرا مع ازمتي طوزخورماتو ومظاهرات المنطقة الغربية، لكي نستثمر اعتدال عبد الملك السعدي ومرجعية النجف، ونطلق حوارا عاجلا يقوم بإسكات الاصوات المتطرفة داخل فريق السلطان وقرب منصة الجمعة في الرمادي والموصل. حينها سيكون العالم المتقدم جاهزا لتقديم استشاراته وتجنيبنا ويلات اي حرب.
لن اكون سعيدا بأن يحارب احدكم زاعما انه يحميني انا ابن طائفته. كما انني لن احمل السلاح، ولست مثاليا. اريد وحسب ان اخرج من عالم الغرائز الهستيري المضلل والمليء بالكذب، الى ضوء القرن الحادي والعشرين.
جميع التعليقات 3
rafah hasan
للاسف ياسرمد الحكماء في بلاد السلطان هم (شيطان أخرس) أي انهم لاينطقون بالحق والحمقى والاشرار والبدائيون هم من يتسيدون الموقف وللاسف الشديد الشعب مستكين لاقصى حدود الاستكانة ولك الله ياعراق
علي كاظم
بارك الله بك .. وليسمع من له سمع .. فقد عميت ابصارهم .. اعمتها الكراسي والامتيازات المذلة في بلد جريح .. فلينظروا الى بسطاء الناس حولهم .. الى باعة الكلينكس , الجرك , السيكاير .. كم هو ايرادهم الشهري .. وكم يتعبون ويكافحون ليقدموا لعوائلهم لقمة هنية .. ال
المهندس عمار الحلي
هل من الممكن ان تتحرر من عقدة المالكي ، تكاد كل مقالاتك لاتخلو من المالكي ،حاول ان تنطلق الى الخيال الخصب ذو المسحة الادبية وابتعد عن التحليلات السياسية الهزيلة التي تسمم بها المجتمع العراقي ، وحاول ان تقلل من رائحة الأنا والتي اصبحت تزكي الانوف، من انت ح