تعيش تركيا ساعات من الأمل الممزوج بالقلق، بعد زيارة قام بها وفد برلماني لزعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان في سجنه في جزيرة إمرالي، الأمل بعودة الوفد برسائل سلام من الأخير يطالب فيها حزبه بالاستعداد للتخلي عن العمل المسلح، والتحول إلى حركة سياسية، والقلق من أن يؤدي ذلك إلى عدم موافقة الجناح العسكري للحزب على نزع سلاحه، مع احتمال انشقاق عناصر عن هذا الجناح، لاسيما من الكرد السوريين، الذين لا يعني لهم شيئاً حل القضية الكردية في تركيا فقط، وأيضاً احتمال انشقاق أجنحة تابعة لتأثير إيراني.
تؤشر التطورات الأخيرة إلى عودة محتملة لأوجلان إلى الساحة السياسية، ولو من سجنه، عبر اطلاعه على مسودة مشروع الدستور الجديد، الذي يقترحه حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، وكذلك نسخة عن تقرير تحقيق اللجان البرلمانية حول القضية الكردية، ما يعني أن آراءه بشأن شكل الدستور الجديد مطلوبة ومهمة، لاسيما بعد التوافق غير المعلن، بين الحزب الحاكم وحزب السلام والديموقراطية الكردي للتصويت لمصلحة المشروع، وعرضه على استفتاء شعبي مع حشد دعم مناسب يمهد للمصادقة عليه.
يتوقع المعارضون لأردوغان أن يتضمن مشروع الدستور الجديد نظاماً رئاسياً، يرون أنه الثمن الذي يريده من الأكراد لحل قضيتهم، ويبدو أن رئيس الوزراء فوّض رئيس الاستخبارات هاكان فيدان للتفاوض مع أوجلان، وأن الرجلين اتفقا على إلقاء السلاح، في مقابل حل القضية الكردية سياسياً وفق خريطة سلام تمتد لشهور، وتشمل خطوات متوازية تنفذها الحكومة والكردستاني، وذلك بعد تولد قناعة لدى مؤسسات الدولة بأنه لابديل عن الحل السياسي للقضية الكردية، وان العنوان هو سجينها أوجلان، الذي حاولت عزله وتهميش دوره سنوات طويلة، لكنها عادت إليه مضطرة، أمام تصاعد قوة ونضال رفاقه وشعبه في الخارج.
لاشك أن الأتراك أهدروا الكثير من الفرص لحل المسألة الكردية في بلادهم، كان أبرزها رفضهم التعاون مع أوجلان، قبل أربعة عشر عاماً، حين كان زعيم الثورة على استعداد لتقديم تنازلات، ربما تفوق ما يتم الحديث عنه هذه الأيام، لكن الواقع تغير اليوم بسبب انحسار نفوذ المؤسسة العسكرية التركية، التي كانت تتحكم بمسار الأحداث، وبسبب رغبة حزب الحرية والعدالة الحاكم في تجاوز هذه الأزمة، ما يمكنه من إحراز نصر سياسي يصب في صناديق الاقتراع، ويمنحه فرصة الاستمرار في مواقع السلطة، خصوصاً وأنه يواجه معارضة ضعيفةً ومفككة، لاتملك أي رؤيا ستراتيجية لحل المعضلة الأهم في الواقع التركي، ونعني هنا المسألة الكردية.
ينقل عن أردوغان قوله إنه سوف يتجرّع السم، ويحاور الكرد على طريق القبول بهويتهم، وينقل عن أوجلان تصريح بعد لقائه الوفد البرلماني يؤكد فيه أن البلاد تشهد مرحلة تأريخية، وينبغي على جميع الأطراف أن تتصرف بشكل مسؤول للغاية في هذه المرحلة، ويعني ذلك في واقع الأمر أن التطورات المتسارعة في المنطقة، تدفع الطرفين لتجاوز الكثير من الشعارات التي حكمت علاقتهما خلال العقود الماضية، وتقديم تنازلات بدت مستحيلةً في السابق، بينما هي اليوم واقع لابد من الرضوخ لمتطلباته، والمهم أن الطرفين لن يخسرا الكثير إن هما ربحا السلام.