تشعرني تصريحات حكومتنا أنها تتصور نفسها مركزاً لرصد الأنواء "السياسة" أو "الأمنية"، على غرار مراكز رصد الأنواء الجوية، لا أكثر. إنها تماما مثل قارئة نشرة الأنواء تخبرنا بدنو عاصفة أو قرب هطول أمطار غزيرة، وما عليها "إلا البلاغ المبين" و"غطوا روسكم يا كرعان". وكيل وزير الداخلية، مثلا، يخبرنا بأن 209 من الإرهابيين المعروفين لديه، بعناوينهم وصورهم ومناصبهم، يشتركون في تظاهرات الغربية. "خوش بشارة! زين شمتاني، ولماذا لم تلق القبض عليهم قبل اندلاع التظاهرات بدلا من الأبرياء الذين كانت تغص بهم سجونك باعتراف لجنة الشهرستاني؟ ألم اقل لكم إنها مجرد نشرة أنواء ووكيل الداخلية، كثر الله خيره، مذيع لا يتحمل أية مسؤولية. هل واجب الحكومة بجميع قواتها الأمنية والعسكرية، التي تأكل خبزتها من مال الشعب، أن تكتفي بقراءة نشرة تنذرنا بوجود كارثة ولا تفعل شيئا؟
اعترف أن أغلب توقعات نشرات الحكومة صحيحة. فقبل أيام خرج علينا رئيس الوزراء بتوقع يفوق في دقته أفضل المراصد المتخصصة حين قال "إذا خرجت المعارضة (السورية) منتصرة ستكون هناك حرب أهلية في لبنان وانقسامات في الأردن وحرب أهلية في العراق". والله صحيح. الرجل دقيق جدا وانا معه في كل كلمة قالها. لكنّ الذي لم يتطرق له هو دوره كرئيس للحكومة العراقية في منع الكارثة.
إن سقوط النظام السوري احتمال قائم، شاء المالكي أم أبى. انه، مثلنا، لا يمتلك القدرة على إطفاء نار الحرب عند الجيران. هو، ونحن، كقارئة الأنواء الجوية، قد نتنبأ بأن المطر القادم سيسقط على رؤوسنا، لكن الفرق بين "الحكومة"، من جانب، وبيننا، نحن و"هيئة الارصاد الجوية"، من جانب آخر، هو أن شغلها الأساس بناء سقف يحمي المنزل. فما هي التدابير التي اتخذها المالكي وحكومته لدرء الحرب الأهلية التي يبشرنا بها إذا ما سقط بشار غداً؟
قارنوا حجم الكويت بحجم الدول التي تحيطها عدداً وعدة ومساحة: السعودية والعراق وإيران. هل أوكلت أمرها للأقدار والصدف لتحميها من جيرانها، أم أنها هيأت نفسها وعرفت كيف تحمي شعبها من خلال علاقات دولية وثيقة؟ لقد أعانت هذه الدولة الصغيرة عقول حكامها الكبيرة على أن تحمي نفسها من أمطار الجيران "العملاقة". وعندما هب عليها تسونامي صدام هبت أعتى قوى العالم لإنقاذها.
أعني، ببساطة، إني أرى المالكي مثل الذي ترك بيتنا العراقي بلا سقف ويحذّرنا أنها إذا أمطرت غداً فستغرقون. زين وشنو شغله؟ سنوات طوال وهو يحكم. أما كان من الواجب عليه، لتحليل خبزته على الأقل، أن يحتوي الاحتقان الطائفي من قبل أن يتصاعد ويصل اليوم إلى حد صرنا فيه على شفا حفرة من الدم؟
ليلتفت دولة الرئيس، ولو مرة واحدة حوله، وينظر كم من الأموال كلف البلد منصبه من بنايات وايفادات وركوب طيارات وسيّارات ورواتب مستشارين ومستشارات وطبخ ونفخ، و "لهدات" دولارات نثريات له وللوزراء والوزارات؟ لِمَ لمْ يبنِ جيشاً مهنياً ولا جهاز استخبارات كفء وتركنا عزّل لا ننتظر غير رحمة الله؟
تذكرت صديقي الشاعر بشير العبودي يوم كثرت الطلايب بينه وبين صديقنا المرحوم الشاعر عباس الحميدي. ضاقت الحيلة ببشير يوما فلم يجد غير أن يرمي محفظة أوراقه ويجلس على الرصيف رافعاً يده نحو السماء مستنجداً: ربي ما ظل غيرك يخلصني من عباس. وها نحن ليس لنا أمام هذه الحكومة، التي يخوّفنا رئيسها من الحرب الأهلية وهي، مثل بشير، واضعة يدها على خدها لا تحل ولا تربط، غير أن نصيح: رحماك يا رب!