هل عاد أبو طبر الى بغداد؟
ذات يوم جُنَّت بغداد. فجأة أعلنت السلطات منع التجول. كان الوقت أول المساء. أصحاب السيارات داخوا أين يعطون وجوههم، وكذلك الراجلون. ماذا هناك؟ الشرطة في كل مكان، وحملات التفتيش دارت على الأحياء والبيوت. ثم بطريقة ما فهمنا ان الأمر يتعلق بحملة بحث ومطاردة كبرى للإيقاع بـ "أبو طبر" الذي كان قد أشاع الذعر في العاصمة، بعد سلسلة من حوادث القتل المريعة.
الناس الذين تصادف وجودهم في تلك الأمسية خارج البيوت نسوا كل شيء وتلخص همهم وأملهم بالوصول الى بيوتهم. القليل الباقي من سيارات الأجرة في الشارع توقف عن العمل، وأمست حاله حال الجميع، دائخ في كيفية العودة الى البيوت. وقد اضطر ذلك الراجلين، الذين كانوا يعودون الى منازلهم مشيا على الأقدام، لمواجهة السين والجيم من الشرطة. كل من في الشارع في ذلك المساء غدا مشبوها. وأمل كل من في الشارع في ذلك المساء كان الوصول الى البيت.
من جديد أصبح الوصول الى البيت، او العمل، أو الى أي مكان مقصود، أمل الآمال ببغداد في هذه الأيام. فنقاط التفتيش العسكرية التي تملأ المدينة، تعمل بأقصى همتها، من أجل تسويد عيشة المواطنين، وجعل "الوصول" أمنية. في بعض الحالات، عندما تكون هناك تظاهرات تغدو الأمنية مستحيلة، خاصة اذا كنت تريد العبور من دولة الكرخ الى دولة الرصافة، وكانت هناك تظاهرات.
وبعض هذه الأيام تزدوج عليه المحنة، فيجمع بين ذكريات أيام الانقلابات العسكرية وبين أمسية حظر التجوال خاصة أبو طبر، وفي كليهما تكون العودة الى الدار هي الأمل، و"الوصول" الى الهدف هو الرجاء. وكما في تلك الامسية من أيام بداية سبعينيات القرن العشرين، يغدو كل من في الشارع مشبوها، اذ لا تنتشر السيطرات، وتتعدد نقاط التفتيش في كل حي ومفترق طريق من طرق بغداد، إلا لأن هناك "مؤامرات" أو "مخططات ارهابية" يُعد لها في الخفاء، ويمكن أن يكون أي مواطن بين أصحابها.
أبو طبر قد يكون واقعة، وقد يكون فكرة، وقد يكون الإثنين. المهم الحصيلة التي ترتبت عليه، والنتيجة التي تحققت من خلاله. وهي إن كل مواطن مشبوه. وكان على الحاكم أن تتملكه هذه النظرة تجاه الشعب، وتتحكم به، لأنه كان لصا، مغامرا، سطا على السلطة في غفلة من الزمن، وفي استباحة للقانون. وقد جعله ذلك مرتابا، متوترا، محتقنا، عنيفا، ظالما، عدوانيا، عديم الإحساس. وكل هذه "الأحوال النفسية" هي أعراض الخوف الناتجة عن ارتكاب جريمة سرقة السلطة والاستيلاء عليها.
والقاعدة هي ان الحاكم الخائف مخيف، لأنه لن يعرف وسيلة للحكم سوى اشاعة الخوف. سوى تعميم الخوف. والتشابه النسبي بين بغداد الأمس واليوم ليس مصادفة. فهناك "لاشرعية" في حاكم اليوم مثيلة للاشرعية حاكم الأمس. ان صندوق الاقتراع الذي جاء بالمالكي، أو مرسي، لا يمكن أن يكون مصدر الشرعية الوحيد. ففي المراحل الانتقالية هناك ما أهم من الانتخابات، وهو المصالحة الوطنية، والتوافق الوطني على مرحلة انتقال سليمة نحو الديمقراطية: هذان الأمران هما أسباب شرعية الحاكم فيما يعرف بالمرحلة الانتقالية. من دونهما ليست هناك شرعية لحكومة، وليست هناك من دون هذه الشرعية سوى فكرة أبو طبر، ووسائل وأعراض أبو طبر، والنتيجة العامة المترتبة على أبو طبر: كل مواطن مشبوه.
أبو طبر في بغداد
[post-views]
نشر في: 1 مارس, 2013: 08:00 م
جميع التعليقات 1
كاطع جواد
الحاكم ان جاء عبر انقلاب عسكري او جاء عبر الانتخابات عليه واجبات ومن هذه الواجبات هو الحفاظ على امن المواطن وسلامته لكن الأساليب والوسائل تختلف فالأول يعتمد كل ما يراه مناسبا له والثاني يقوم بما يراه مناسبا للمواطنين ثم ما هو مناسب له اما اذا تساوت الفرض