TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > التظاهرات والشعراء الشعبيون

التظاهرات والشعراء الشعبيون

نشر في: 2 مارس, 2013: 08:00 م

كنت قد لمست في تظاهرات ميدان التحرير بالقاهرة أنها وفرت فرصاً جديدة للرزق، استفادت منها الطبقات العاطلة عن العمل، حيث انتعشت ظاهرة بيع الأعلام واليافطات ومسطبات بيع الشاي والفول. لكني ما كنت أحسب أن تلك الظاهرة ستجد مثيلة لها في تظاهرات الغربية بالعراق حتى قرأت، قبل أيام، تقريراً صحفياً يشير إلى أن ساحة الاعتصام وفرت العديد من الوظائف الجديدة لتشغيل عشرات الشبان تدرّ عليهم مداخيل لا بأس بها. وان كان انتشار شباب يبيعون السجائر والعصائر والمياه والأعلام واليشاميغ والغتر وبطاقات شحن الجوال يشبه إلى حد بعيد ما لمسته في تظاهرات المصريين، لكن ما لفت انتباهي في التظاهرات العراقية هو أنها وفرت فرصة رزق جديدة للشعراء الشعبيين. هذه لم اسمع بمثلها في أي من تظاهرات الربيع العربي. لا في مصر ولا في أي بلد عربي آخر!
لقد قصد الشعراء من محافظات مختلفة ساحة التظاهرات وتوزعوا على مضايف ودواوين العشائر لأنها بحسب احد الشعراء " تخصص شاعراً لاستقبال الضيوف تكون له قدرة على الارتجال". ينقل كاتب التقرير انه شاهد بعينه أحدهم يركض من خيمة وسط الساحة لاستقبال وفد من عشيرة شمر، قدم من مدينة السماوة، بإلقاء قصيدة ارتجالية عن مكارم القبيلة وشجاعتها على مر التاريخ، فقام رئيس وأعضاء الوفد بإلقاء المال له تكريماً لشعره.
شاعر آخر يقول أن "الشعر من عادة أهل الغربية"، وان "التظاهرات أنعشت الموضوع الذي يمكن أن تسميه مهنة وهو واجب ضيافة واستقبال وفي نفس الوقت عامل تكسب لنا بعد أن دق الفقر فينا نحن معشر الشعراء والأدباء خلال السنوات الماضية ".
وبرغم "نشنشة" الشعراء الشعبيين مادياً، إلاّ أن فيهم من يشكو حظه حين يجهد نفسه ويركض بقصيدة يظنها مجلبة للرزق لكنه يعود خائباً. يقول الشاعر رياض العباسي انه " "قبل أيام وصل عدد من العراقيين من الموصل إلى ساحة الاعتصام وكنت مطالباً باستقبالهم. لكن في آخر لحظة علمت أنهم من المسيحيين، فتسمرت وأصابتني الحيرة في الشعر الذي سألقيه أمامهم. ما كان أمامي إلا أن أقرأ أبياتا تدين وتستنكر حادثة كنيسة سيدة النجاة. ارتاح الوفد للاستقبال لكنهم لم يكرموا شعري بأي مال"!
لست بصدد لوم هؤلاء الشعراء فلعل الفقر المرّ جعلهم في كل وادٍ يهيمون. لكني لا أخفيكم ألمي لأنهم ذكّروني بفترة مظلمة ومحزنة، أيضا، يوم نجح صدام في تحويل الشعر الشعبي، في مهرجانات التطبيل له ولحروبه، إلى باب للارتزاق.
خوفي أن لا يكون هناك شعراء لتظاهرات الغربية، وآخرون للتظاهرات المضادة، فتنشأ لدينا "فدراليات" للشعر الشعبي، وتعود حليمة لعادتها القديمة. وفال الله ولا فالي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. نوار الحسيني

    روعة انت استاذ هاشم

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram