TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كبـار وصغـار

كبـار وصغـار

نشر في: 4 مارس, 2013: 08:00 م

قرأت، قبل عام تقريباً، مقالاً لكاتب يبدو انه منشق عن حزب الدعوة ينصح فيه المالكي أن لا ينفعل بسرعة وأن  يكف عن شتم الآخرين عندما يفقد أعصابه. تلمح من طريقة مخاطبته له أن بينهما سابق صداقة أو معرفة وطيدة. قبل أيام تذكرت ذلك المقال وأنا أقرأ في الأخبار مقتطفات من خطاب المالكي عند وضعه الحجر الأساس لمشروع مدينة ضفاف كربلاء السكني.  تقول الأخبار انه وصف الداعين إلى الاعتصامات والتظاهرات بأنهم "جهلاء وصغار الناس" واعتبر أن "كبار الناس" هم الذين يفكرون بالبناء والمشاريع والستراتيجيات! شتيمة صريحة وقاسية أيضا.
قبل الخوض بالشتيمة، أجد أن تقسيم الناس الى مفكرين بالمشاريع وداعين للتظاهر غير موفق إن لم أقل غير منطقي. فان كان يرى نفسه من الكبار لأنه مسك "الچمچة" لوضع خبطة الاسمنت لتغطية حفرة دفن النقود بحجر الأساس، فهذا واجبه وسيقوم به أي رئيس وزراء غيره، أو قد يتولاه وزير أو محافظ المدينة مثلا. أما التظاهر فهو حق. والفرق بين الواجب والحق كبير. لندع هذا ولنرَ كم من الناس وغير الناس شتمهم المالكي وإهانتهم.
في مقدمة "المشتومين" يقف الدستور العراقي الذي أقر في المادة 38 (ثالثا) حق التظاهر وكفله للشعب. فهل الدستور الى هذا الحد صغير بعين المالكي؟  
وان كان المالكي يرى أن "الچمچة" التي يرفعها الحاكم لوضع حجر الأساس تجعله كبيرا، فلقد رفعها كثير من الحكام قبله، من هتلر الى شاه إيران وصدام والقذافي وغيرهم وغيرهم. وكل هؤلاء قد لُعنوا لأنهم لم يعترفوا للشعب بحق الاعتراض.
أظن أن شاه إيران كان أكثر من كل الذين ذكرتهم سعيا في مجال البناء والإعمار. لكن الإمام الخميني حث الإيرانيين على الاعتصامات والتظاهرات لإسقاطه. فمن هو الصغير برأي المالكي؟ اخترت الخميني مثالاً لأن المالكي إسلامي العقيدة (ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم). ومن المنطلق ذاته أذكره بأبي ذر الغفاري الذي حرض الفقير على أن "يستل سيفه" إن حاصره الجوع. فهل كان الغفاري كبيرا أم صغيرا حسب مقياس دولة الرئيس؟
كان أغلب متظاهري ساحة التحرير ببغداد قبل عامين شباب أتعبتهم مشاهد الفقر والبطالة في بلدهم الغني. خرجوا مسالمين بصدور عارية مطالبين بحقوقهم، ومحتجين على غياب الأمن والخدمات وتهميش الناس والتضييق على حرياتهم الشخصية والعامة. لم يحملوا سلاحا ولم يرفعوا شعارا طائفيا واحدا، لكن السلطة المستبدة واجهتهم بقواتها الأمنية ثم هدّت عليهم جحافل عشائرية مدججة بالعصي والعگل.  فمن هو الكبير ومن  الصغير: السلطة أم المتظاهر؟
إن وصف الداعين للتظاهر بالصغار أو الجهلاء فيه إهانة أشد وطأة من وصف صدام للذين ثاروا ضد طغيانه بالـ "غوغاء". ولو كان المالكي رئيس حكومة في بلد متقدم لديه برلمان يحترم نفسه، لخيّره بين أمرين: أما أن يعتذر للشعب أو أن يقال من منصبه.
شتيمة المالكي عادت بي الى السبعينات يوم اشتهرت بين الطلبة قصيدة الشاعر وائل الشمري التي كان يقرأها عنه أخوه فرات "زغيرة وما تعرف إتحب". ذكرتها وتذكرت قصيدة مضادة لها  على لسان طالبة شعرت بأن وصف "زغيرة" به إهانة كبيرة فقالت "چبيرة آسسنه وزغير انت".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. خليل النعيمي

    اي اخوي انت وردة

  2. رمزي الحيدر

    يجب أن نعترف ,أننا نعيش زمن الصغار...!.

  3. shatha

    your personality remember me abbas chechaan)almotamalik)

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram