في مشهد ليس غريباً عن يوميات الحرب في سوريا، نرى مقاتلين شيعة، تدفقوا من بلدين مجاورين، لينضموا إلى شيعة سوريين، يتجمعون مستعرضين قوتهم عند مرقد السيدة زينب، إلى الجنوب من دمشق، للدفاع عنها، حيث تسود مخاوف أن يتعرض المقام لهجمات من مقاتلين سنّة، يحاربون الرئيس الأسد، ما يعني ببساطة أن الصراع في هذا البلد العربي، تحّول إلى شرارة تلهب مشاعر طائفيةً عابرةً للحدود، وليس بعيداً عن هذا المشهد المختل، ثمة الكثير من مشاهد التعصب السنّي العابر للحدود أيضاً، لكنها كما نعلم لم تصل حد تهديد مقام سيدة من آل البيت الأطهار، الذين يحظون بمكانة رفيعة عند كل المسلمين، من دون أن ننكر أن بعض المتطرفين، القادمين للحرب في سوريا من دول أخرى يعدّون الفكر الشيعي منافيا للإسلام، ويعدّون أضرحتهم رموزا للوثنية ولابد من هدمها.
كما كنا نسمع من أسماء رموز مسلمين، تطلق على وحدات الثوار ضد الأسد، ها نحن نسمع أسماء آل البيت، تطلق على مقاتلين شيعة، معظمهم عراقيون كانوا يعيشون أصلاً في سوريا، هرباً من جحيم الحرب الطائفية التي استعرت في وطنهم قبل أعوام، وانضم إليهم بعض اللبنانيين والسوريين، يقولون إنهم خارج حسابات السلطات السورية، لكنهم اليوم مستعدون للتضحية دفاعاً عن الضريح، الذي كان مزاراً يؤمه المؤمنون من كل الطوائف، قبل أن يعتدي عليه متطرفون ظلاميون يجهلون طبيعة الإسلام ، ويمنحوا الفرصة لمتطرفين من الجانب الآخر للتهديد بإحراق دمشق، ولعل المسجد الأموي سيكون هدفاً مشروعاً عندهم، ينتقمون فيه من يزيد والجيش الحر في آن معاً.
في المشهد السوري أيضاً، ما يقال عن تدفق مقاتلين من لبنان ينتمون لحزب الله، على مناطق في سوريا، للدفاع عن قرىً شيعية تعرضت لهجمات طائفية هناك، كما صرح بذلك الشيخ حسن نصر الله، فيما يتهمهم الطرف الآخر، بأنهم تحركوا بأوامر إيرانية، للدفاع عن النظام العلوي الحاكم، وتطهير بعض المناطق، تحسباً لسقوط دمشق بيد الثوار، وانتقال الأسد وأركان حكمه وحاشيته إلى مناطق ذات أغلبية علوية، لابد لها من التواصل جغرافياً مع مناطق ذات أغلبية شيعية في لبنان، وفي الجانب الآخر فإن المناطق ذات الأغلبية السنية في غرب العراق، تبدي تعاطفاً مع مناوئي الأسد، ويعتبرها المتطرفون السنة في الجانب السوري ذخيرةً وملاذاً، ودائماً على أسس طائفية، مرفوضة عند كل العقلاء والوطنيين.
لا ينكر عاقل أن الفرز الطائفي "عربياً" بدأ في العراق، بعد إطاحة نظام البعث وصدام، حيث ركب بعض الساسة سفينة المحاصصة الطائفية، وما أسفرت عنه من تعصّب، تحقيقاً لأهداف شخصية، تبدو شديدة الرخص، مقارنةً مع ما رافقها من سفك لدماء الأبرياء، ولا ينكر عاقل أن تأجيج المشاعر الطائفية أخذ حيّزاً متزايداً في الحياة السياسية العربية، بعد تبني الجمهورية الإسلامية الإيرانية سياسة تصدير الثورة، "ذات الصبغة الشيعية"، وما واجه ذلك في "الساحات السنيّة" من ردود فعل، تجاوزت السياسة إلى الشحن الطائفي، ولا ينكر عاقل أن المتعصبين طائفياً في إيران، وجدوا مواطيء قدم لهم في أكثر من بقعة في العالم العربي، لعل أبرزها لبنان، حيث تمكّن حزب الله من التحكم بمفاصل الدولة، من دون إنكار انتمائه لفكر الولي الفقيه، وخضوعه لإرادته.
وبعد كل ذلك مطلوب منا أن نصدّق أن الحرب الطائفية بعيدة عنا، وأنّ من ينكرها على حق، وأن الوقائع الماثلة للعيان باطلة.