اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الاحتباس الحراري اهتمام ثقافي

الاحتباس الحراري اهتمام ثقافي

نشر في: 8 مارس, 2013: 08:00 م

ليس من باب المبالغة أن يُقال إن البيئة والتلوّث والصحة العامة تشكل آخر اهتمامات المثقفين في بلداننا، كما لو أن هذا الأمر ليس شأناً ثقافياً أصيلاً، وكما لو أن الأخير واقع فقط في الكتابة الإبداعية الصرف ومشكلاتها التقنية المحض، على أهميتها القصوى.

يُشيح الكثير من أقراننا بوجهه للبيئة، لكأنه يعيش في كوكب آخر ويتنفس هواءً نقياً عبر أروقةٍ سريّةٍ ليست من عالمنا الملوَّث بشيء، في الوقت الذي لم تعد مشكلات البيئة سوى قلقٍ كبيرٍ يمسّ كياننا الشخصيّ، ويصير  إشكالية وجودية حتى بالمعنى الفلسفيّ للكلمة.

إن القائل بأن القضية تقع في مرتبة أدنى في بلدان تعجّ بمشكلات الفاقة والفساد الإداريّ والمفخخات الحقيقية والمجازية، وأنها تتلمس الضروريّ للعيش الحديث الكريم، أو أن قضية البيئة مؤجَّلة بالضرورة في سياقاتنا المعروفة، إنما يؤجل وجودنا الفيزيقيّ نفسه، ويتركنا تحت رحمة السيرورة التقنية التي تُصوَّر لنا آلةً قدَريةً جبّارةً لا يُستطاع، بكل الأحوال، إيقافها.

معضلات الكوكب الملوَّث هي تحصيل حاصل لا فائدة من معالجته ضمن هذه المبررات، بل أن الاهتمام الجاد بها من دون أهمية، ويذهب البعض إلى أن الحديث عنها نمط من اللغو المتحذلق لأننا، يقول في الغالب، لسنا من البلدان الصناعية المسؤولة عن الظاهرة.

هنا ما يفسّر لنا هامشية أحزاب البيئة في المشهد السياسيّ العربيّ، وفي نطاق منظمات المجتمع المدنيّ المتوالدة لأسباب عــدة ليست صحية على الدوام.

لكن تغيُّر مناخ كوكب الأرض الناجم عن الاحتباس الحراريّ يمسّ الجميع قاطبة بغض النظر عن مسؤولية هذه البلدان أو تلك.

لنستنطق المعطيات: نحو 5% فقط من الغازات المسبِّبة للظاهرة يطلع من المنطقة العربية حصة العراق منها قرابة  0,21%، هذا قليل بالنسبة للكارثة الكونية، لكنه ليس قليلاً في بلد لا يشهد تيّاراً يدافع عن التقنيات النظيفة، ولا تعنيه بشيء تقريباً مصادر الطاقة البديلة، حتى لو زعمت منظمات المجتمع المدنيّ، حديثة الولادة، أنها تدافع عن البيئة، بعض المتابعين للشأن العراقي يزعم أن  مشروع منظمات المجتمع المدني البيئويّ مشكوك بدوافعه، بغياب الحماسة الثقافية من طرف القطاع الثقافي الواسع، ولأنه لم يستطع أن يكون همّاً حقيقاً عريضاً لدى النُخب الثقافية في الأقل، يرافق ذلك كله شرعية سؤال هذا البعض، عن مصير الأموال التي دفعتها لمناصري البيئة المنظماتُ العالميةُ والمانحون الدوليون، وتسرُّبها بشكلٍ غامض باتجاهات لم يفد منها أصل المشروع حتى اللحظة. إن تراجُع الموارد المائية في بلاد "النهرين" وخسائر الإنتاج الزراعي وتدهور الغطاء النباتيّ وفقدان التنوُّع البايولوجي، هي البراهين على غياب أي مشروع بيئيّ أو سياسيّ فاعل.

في العراق، كما في تونس مثلاً، لا علاقة للنُخب المثقفة، السياسية وغير السياسية التي أسست أحزاباً للخضر بمشكلات البيئة، أحزابٌ تعلن عن نفسها في الحقيقة بصفتها نوعاً من الأُبهة "البرستيج" الثقافية. ففي تونس، وفي مدينة قابس جنوبها، نشهد أكبر كارثة بيئية تتمثل في مجمع الصناعات الكيميائية الذي ينفث ليل نهار مواده السامّة على ما يقارب 116.323 نسمة من السكان المحليين، بحيث يمكن مقارنة المدينة، من دون مبالغة، بأعظم المدن الملوَّثة على الكوكب.

خطاب "الخضر" في العراق كما في تونس غير مشفوع بالقناعة والإيمان برغم جسامة الأمر، في تونس برنامجهم منقول حرفياً عن الفرنسية، وفي العراق عن دساتير أحزاب البيئة الإنكليزية أو الألمانية.

الحرارة الداخلية تنقص الخضر العرب للأسف، لأنهم لم يستطيعوا جعل المشكلة تمسّ الضمير الاجتماعيّ العريض، قلم تُدْمَج في سياق المعضلات الاجتماعية والثقافية، ولا الوجودية كـ "الموت" و"الحياة" برغم أنها، من دون شك، في السياق ذاته.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram