دولة الطبيعة هي الفوضى. ودولة الحرية هي النظام. كل تجارب الانتقال التي جرت في العالم من الملكية الى الجمهورية قادت الى فوضى طويلة العمر.هذا لا يعني ان الملكيات المطاح بها كانت تمثل الحرية. لكنها بالتأكيد تمثل الاستقرار الذي يجسد بدوره وعد التطور وأمل التقدم نحو الحرية.
والى أن تستقر الجمهورية وتصبح هي الأخرى وعدا بالحرية، لن يكون هناك سوى الفوضى. إن الثورة الصانعة للإنتقال من الملكية الى الجمهورية، تنقل اولا السلطة من أسرة الى "شعب". أو بالأحرى الى فرد أو جماعة أو عدة جماعات تزعم تمثيل الشعب. لكن أداة الثورة هي غالبا ضابط اعتاد تلقي الأوامر، أو ثوري اعتاد القمع. أي أن من كان يستحق الشفقة أصبح صاحب القرار.
هذه النقلة الضخمة لها معادل رمزي سيكون ضخما أيضا في مخيلة "الشعب"، وهو أن السلطة، المصحوبة حكما بالثروة، أصبحت امكانية متاحة على نطاق واسع، نطاق أكثر شعبية. هذه الامكانية ستكون بمثابة نداء أو دعوة لأصحاب الطموح نحو العمل من أجل الاستيلاء على السلطة. هذه الإمكانية تحول دون الاعتراف بشرعية السلطة، وبالتالي دون الاستقرار. وهذه الامكانية ستختبر نفسها بمختلف صيغ الانقلابات والتحولات اختبارا تلو الآخر.
هذه الاختبارات هي بمثابة تحقيق فعلي، أو ممارسة عملية، لفكرة شعبية السلطة. فهي اليوم لدى هذا الضابط، غدا لدى غيره، وبعد غد لدى حزب، وهكذا. وفي العادة يصحب العنف هذه التحولات. انقلابات وعنف: لقد بدأ العصر الجمهوري. تنازع أو صراع على السلطة تتبلور من خلالهما جماعات أو تشكيلات مصالح حزبية أو أهلية. إن الانسان هو الكائن الوحيد القادر على تمويه شرهه بمثل عليا أو غيرة على مصالح الحزب أو الإثنية أو الطائفة. وهكذا ستتخذ كل جماعة من المُثل العليا أو الغيرة على المصالح غطاء آيديولوجيا.
نتيجة التطاحن بين هذه الجماعات هي دولة الطبيعة، حيث الرغبات والأهواء هي الحاكمة. إنها المرحلة المتوحشة. كل جمهورية تعيش مرحلة انتقال هي دولة الطبيعة، دولة الفوضى. أول من يتحسس أخطار هذه الدولة هم أصحاب الكفاءات والمواهب. هؤلاء أشبه بالحضارات القديمة. كانت الواحدة من تلك الحضارات تموت في مكانها الذي ولدت وتطورت فيه. ولا يبقى شيء من أهم منجزاتها على أرضها. لكن هذا الأهم لا يموت وانما يسافر الى ارض جديدة تكون قد بدأت حضارة بالولادة فيها.
أصحاب الكفاءات والمواهب غالبا ما يجدون أنفسهم مضطرين الى الانتقال كذلك الى أرض أخرى مستقرة ومتقدمة، كما تفعل منجزات الحضارات في طور الأفول. ويحل بدلهم على واجهة المسرح أصحاب الثقة. هؤلاء الذين يجعلون الأرض رمادا، والعمران خرابا، والانسان طريدا. وعلى رأي كاتب فإن "المرء لا يرى في هذه التجربة المرعبة سوى الطبيعة، ولا يشاهد ما يود الفلاسفة تسميته بالحرية".
دولة الطبيعة هي تحرير الغريزة وهدم العقل. قبل تكوّن ما صار يعرف بـ "المجتمع الدولي"، وقبل انتشار وسائط الإتصال الحديثة، كانت أمثال هذه الدولة تستطيع أن تأخذ مداها وتبلغ مرحلة الكمال في التوحش. لكن تطورات السياسة الدولية والتكنولوجيا تقف اليوم حائلا دون وصول دول الطبيعة الى الكمال. وإنه لخبر جيد أن يكون التوحش ممنوعا من الكمال. فقد انقضت الأوقات السعيدة للمرحلة المتوحشة في تاريخ الإنسان وهي تشعر اليوم بالحصار.
جميع التعليقات 2
رمزي الحيدر
أن أستنتاجك لا ينطبق على العراق ، لذلك أرجو ذكر الاستثنئات . مع التقدير.
كاطع جواد
كل منا عنده ميل فطري للفوضى ولكن بدرجات متفاوته ..هناك عوامل ثقافية وبيئية تلعب دورا بإظهار تلك الفوضى وحدتها بين مكان وآخر ..ما شهده العراق بعد ٢٠٠٣ من نوازع فوضوية تفاوت بين مجموعة واخرى كل حسب ثقافته وكل حسب بيئته.. المواطن البريطاني اخر ما يفكر فيه هو