يعتبر الحكم الصادر بحبس الشاعر القطري محمد العجمي، الملقب "ابن الذيب"، خمسة عشر عاماً، بدل الحكم السابق بالمؤبد، نتيجة تدخل بعض المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وبتهمة قصيدة قرأها على بعض أصدقائه، يشيد فيها بالثورة التونسية، وهي تحمل معاني رأت فيها حكومة بلاده مساً "بالذات الأميرية"، أسطع مثال على ازدواجية المعايير في الدوحة، التي تقدم نفسها كداعم لجميع الثورات الشعبية في العالم العربي، الساعية لإسقاط النظم الدكتاتورية والشمولية، لكنها تقف عاجزة عن تحمّل نص شعري، يحتمل الكثير من التأويلات المغايرة للفهم عند الرقيب القطري، الذي اتهم القصيدة بالتحريض على قلب نظام الحكم، وتقويض المجتمع، والتأليب على ولي العهد.
لو بحثنا عن حرية الرأي والتعبير في الإسلام سنكتشف بسهولة أنها مضمونة في الأمور العامة والخاصة، وهي حق مكفول وثابت، لأن الشريعة الإسلامية أَقَرّته، وما أَقره الشرع للفرد، لا يملك أحد نقضَه أو سلبه منه أو إنكاره عليه، بل إن حرِيَة الرأي واجب على المسلم، لا يجوز أن يتخلَّى عنه، وقد أجاز الإسلام تلك الحرية في كافة الأمور الدنيوية، وإذا كانت حرِيَة الرأي والتعبير عنه وإبدائه من الحقوق المقررة شرعاً، فلا يجوز إيذاء الشخص لممارسته ذلك الحق، لكن على المسلم وهو يستعمل حقه في إبداء رأيه، أن يتوخى الأمانة والصدق، وأن لا يبتغي الرياء أو السمعة، أو التشويش أو إلباس الحق بالباطل، أو بخس الناس حقوقهم، أو تكبير سيئات ولاة الأمور، وتصغير حسناتهم، وتصغير شأنهم، والتشهير بهم، وإثارة الناس عليهم، للوصول إلى مغنم.
أمّا عن حرية الرأي في المواثيق الدولية، فإن الثابت أنها أصبحت من أهم الحقوق، في كافة الدول والمجتمعات، التي ترعى وتصون حقوق الإنسان، كونها تنظر لهذا الحق كحق أصيل وثابت، ولا يجوز أن يرد علية أية قيود أو استثناءات، إلاّ ما يفرضه القانون والنظام العام والآداب العامة، ونظرا لأهمية هذا الحق، فقد تم النص عليه في كافة المواثيق الدولية والإقليمية، المعنية بحقوق الإنسان ، وتطرقت له كافة الدساتير والتشريعات الوطنية، وورد النص حول حق التعبير وإبداء الرأي، في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعديد من الإعلانات الدولية ذات الصلة، ويلاحظ أن النصوص الواردة في الاتفاقيات الدولية، تؤكد أن الحقوق الواردة في الاتفاقيات مطلقة، ولا يسمح بأي استثناء لها، أو القيد عليها، ولذلك تعتبر حرية الرأي والتعبير، قاعدة ضرورية لأي نظام ديمقراطي.
ترتبط حرية الفكر بالتعبير عنها، فإن يعتنق إنسان فكراً معيناً، لن يشكل جريمةً عند أنظمتنا المبجّلة، ما دام يحتفظ به لنفسه ولا يجهر به، أو يسعى لحشد مؤيدين، أو حتى يدافع عنه، المشكلة تكمن في التعبير عن الفكرة، سواء كان بنص أدبي، شعراً أو نثراً، أو بتنظيم حزبي، أو بأي وسيلة أخرى، ذلك يعني عند تلك الأنظمة أن هناك من ينازعها الحكم، وأن واجبها الأول والأخير هو الدفاع عن مكتسبات التمتع بالسلطة، ليس مهماً في ذلك الوسيلة التي تتبعها، المهم هو إسكات ذلك الصوت، المعبّر عن فكرة مغايرة لما يحمله الحاكم، وقطر بقرارها حبس "أبن الذيب"، لم تكن استثناءً، فذلك يتكرر يومياً في كل العواصم العربية، وإن كنّا لم نسمع بذلك فلأن الأنظمة الحاكمة لم تسمح بذلك بعد أن نفذت فعلتها تحت ستار الكتمان.
برغم أن كل الدساتير العربية تؤكد حرية الرأي والتعبير، فإن الواقع يقول إن الجميع يقفز عن هذه الفقرة ويمارس عكسها، وما على المعبّر عن فكر لا يتناغم مع السلطة، غير انتظار مصير قد يكون مصير "ابن الذيب" رحمةً مع ما سيلاقيه.
هل نمتلك حرية الفكر والتعبير؟
[post-views]
نشر في: 8 مارس, 2013: 08:00 م