أثبتت جولة وزير الخارجية الأميركي الشرق أوسطيه، صحة ما كان أعلنه وزير الخارجية الأردني السابق مروان المعشر، من أن واشنطن بصدد الإعلان عن تغير وتحول ستراتيجي كبير في موقفها من الأزمة في سوريا، إذ بدأت تتعايش من فكرة بقاء الرئيس الأسد في موقعه، والعمل في مرحلة لاحقة على مساعدته لسحق التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها تنظيم القاعدة، وقد أظهر الوزير كيري خلال جولته الوجه الحقيقي لبلاده، حين صرح أن إعلان جنيف هو الحل، وأن ثمة إطاراً أو سبيلاً لحل وتسوية سلمية في سوريا، وبإمكان الإيرانيين والروس والأسد دعم ذلك، ويعني ذلك العودة إلى مربع اتفاق جنيف، القاضي بتشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات تنفيذية، على أن يتم اختيارها بموافقة الأطراف كافة، ما يعني أن بإمكان الأسد اختيار من يمثله، وتختار المعارضة ممثليها في الحكومة العتيدة.
يلاحظ أن إدارة أوباما تعزف على وتر الموقف الروسي، مبتعدةً عن أروقة الأمم المتحدة، برغم وجود قرار من جمعيتها العامة، تم إقراره بأغلبية 133 صوتا، وهو يدين استخدام الحكومة السورية للأسلحة الثقيلة، وينتقد عجز مجلس الأمن، وفي وقت تستخدم فيه الحكومة السورية كل صنوف الأسلحة، فإن كيري يعتقد بضرورة مشاركة إيران وروسيا والأسد، في تنفيذ "جنيف"، من دون أن يسأل كيف للأسد دعم اتفاق كهذا، إن لم يكن ملبياً لمصلحته، وكيف لإيران وهي شريك ستراتيجي لنظام دمشق، الإسهام في حل يستهدف تغيير هذا النظام، وهي التي استثمرت فيه الكثير، ويتلخص مشروعها السياسي باستمراره، والموقف الروسي بغير حاجة لتفسير، وهو يبحث عن مقايضات تضمن مصالح موسكو في سوريا ومناطق أخرى.
القرار الأميركي اليوم، والذي تتم صياغته على يد الوزير كيري، هو التدخل علناً في قضية تسليح الجيش الحر، بهدف الضغط عليه، لفرض حل "جنيف" كما تفهمه واشنطن، مع رضا موسكو وطهران، ما يستوجب استمرار الحال الراهن، المزعج للنظام والمعارضة في آن معاً، وفي حال رفض المعارضة لهكذا تصورات، فإن الأسد سيكون الرابح، وسيحظى برضا واشنطن، التي تعمل اليوم، كعادتها، على إبقاء باب الاحتمالات كافةً مفتوحاً على مصراعيه، وكيري وهو يقود هذا الحراك، لم يسع مطلقاً لوقف تدفق الأسلحة الروسية لدعم نظام الأسد، أو يطلب، ولو مجرد طلب، من ذلك النظام، وقف قصفه للمدن الثائرة، والمؤسف أن كل هذا الحراك يتم خدمة لأمن إسرائيل، بعد أن رفضت كل الضمانات، التي قدمتها المعارضة بهذا الخصوص.
العارفون للمجتمع السوري التعددي، يؤمنون أن سوريا ما بعد الأسد والبعث، لن تكون محكومة من قبل المتطرفين الإسلامويين، وحتى لو وصلت قوى إسلامية معتدلة إلى بعض مفاصل الدولة، فإن ذلك لا يعني أن سوريا وقعت في أحضان القاعدة، التي تفتش عن موطئ قدم في أي بقعة في العالم، تشهد شكلاً من التوتر، ومخاوف واشنطن على أمن إسرائيل حال سقوط الأسد، ليست منطقيةً ولا مبررة، فالصحيح أن هذا النظام، بالرغم من إعلانه المتكرر عن المقاومة، من دون أي فعل يترافق مع ذلك، هو الأنسب للدولة العبرية، والبديل عندها هو الدمار للدولة السورية بكل مقوماتها، عبر حرب أهلية تعيد خلط الأوراق في المنطقة برمتها، ومن هنا يمكن فهم الموقف الأميركي، الذي أحجم عن دعم الثورة عملياً، حتى قبل أن نسمع خبراً واحداً عن جبهة النصرة، وهو يسعى اليوم لإجبارها على القبول بالحوار مع الأسد عبر التحكم بتدفق الأسلحة التي تحتاجها لحسم الموقف لصالحها.
لعل كل هذا الحراك الأميركي البائس، هو ما دفع رئيس الائتلاف المعارض معاذ الخطيب لإلغاء زيارته لواشنطن، ولعل بعض الرد على هذه السياسات، تمثل في منح مقعداً سوريا في الجامعة لمعارضي الأسد، والجهر بحق العرب في تسليح الثورة، لحسم الأمور، والحفاظ على الدولة السورية، ومنع تفتتها.