TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > إلاّ بالقــانـــــون

إلاّ بالقــانـــــون

نشر في: 10 مارس, 2013: 08:00 م

وأنا أتصفح أمس أحد المواقع العراقية المختص بتجميع الأخبار من صحف ومواقع ووكالات عراقية متعددة، استوقفني خبر يقول "3 دجاجات وديك.. في المحاكم"! ضغطت على الرابط لأرى التفاصيل فتذكرت أن هذا الخبر قديم جداً إذ قرأته قبل أربع سنوات تقريباً. وبرغم أن الموقع الذي نشره لم يشر لتأريخ الحدث لكنه أرغمني للبحث عنه بدافع التأكد من أن تقدم العمر لم يعطب ذاكرتي. وفعلاً كما توقعت عثرت على أصل الخبر منشوراً في موقع جريدة "الرياض" السعودية تحت عنوان "سوري يقاضي نصف سكان حيّه بسبب سرقة 3 دجاجات وديك". وفي أعلى الصفحة ملاحظة تقول "أنت الآن تتصفح عدداً نشر قبل 1432 يوما"!

ليس هذا هو المهم عندي، بل شيء آخر سآتي عليه بعد أن أطلعكم على نص الخبر الأصلي الذي يقول: "أقام سوري في مدينة طرطوس دعوى على جيرانه أمام المحامي العام في المدينة بعد فقدانه 3 دجاجات وديكا. وحوّل ملف الدعوى إلى شرطة القسم الشرقي في المدينة، لاستكمال التحقيقات واستجواب المشتبه بهم والتحقيق بالموضوع. ونقل موقع إلكتروني عن رئيس القسم الشرقي العميد سمير ميا، قوله (فشلت كل المحاولات لحفز صاحب الدجاجات للتراجع عن الدعوى بالرغم من تدخلي شخصياً واستعدادي لدفع ثمنها له بدل الدخول إلى المحاكم والجلسات واستجواب أكثر من نصف سكان الحي) .. يذكر أن جيران المدّعي قدّموا له مغريات عدّة كي يتراجع عن دعواه، إلا أنه أصرّ على استعادة دجاجاته بقوة القانون".

تناوش السوريون الرجل بتعليقاتهم تحت الخبر وقليل فيهم من أنصفه. فبعضهم عدّه مجنوناً. وبعضهم سخر منه. وآخر شتمه بصريح العبارة "عقله عقل دجاجة". وقاريء رد غاضباً "يا أخي استحي عشان دجاج وديك.. تعال عندي واعطيك عشر غيرها.. أهل العقول في راحه".

خطر ببالي أن اقرأ الخبر على بعض من أصدقائي العراقيين عبر الهاتف لأرى ردة فعلهم. أولهم قال لي: "حقك انتَ ما تعرف شكد اكو بخلاء يقتلون روحهم على مود دجاجة"! الثاني قال: "هذا صدك ما عنده سالفة". كسر بجمع كانت آراء الذين اتصلت بهم لا تختلف كثيراً عن الردود التي جاءت تحت الخبر.

أما أنا فقد قرأته بشكل مختلف إذ حسبت أن هدف صاحب الدعوى أبعد. فلا هي قضية بخل ولا مسألة ما عنده سالفة. إنه، برأيي، صاحب قضية تتعلق باحترام القانون فأراد أن يأخذ حقه من خلاله. إصراره على أن يأخذ القانون مجراه يعكس رفضه لبعض القيم الفوضوية السائدة في مجتمعاتنا والتي تعدّ "الرجّال ما يشتكي عند الشرطة" و "السبع ياخذ حقه بيده". أظن أنه أراد أن يعطي سكان حيّه درساً في الإذعان للقانون. وقد يكون ظنّي هذا نابعاً من تجربة شخصية.

لقد تعرضت أكثر من مرة لهجمات عدوانية وتلفيق تهم باطلة كنت استطيع صدها بنفس وسائل أصحابها أو أشد، لكني صممت على مواجهتها بالقانون. ومثلما لام السوريون والعراقيون صاحب الدجاجات والديك لامني بعض الناس. كان ردّي، وقد ساندني به كثير من الأصدقاء، إن اللجوء للقانون أسلوب إنساني وحضاري أيضاً. لم أنجح في نيل حقي، حسب، بل وقد تعلم من شكوتهم درساً بليغاً، إذ لم أجد فيهم من كرر مع غيري ما فعله معي. لا درس أبلغ من درس التأديب بالقانون ولا لذة تفوق لذة العدل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. المدقق

    اذا انت تعترف انك اخذت حقك بالقانون لعد ليش دوختوا راسنا بسالفة القضاء مسيس ؟؟ لو من يحكم القضاء لصالحكم يصير عادل ومن يحكم ضدكم يصير مسيس ؟؟ اويلي عليكم اشكد ما عدكم انصاف اويلي

  2. خالد

    عزيزي الرجل اخذ حقه بمحاكم لندن مو بالعراق

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: نظرية "كل من هب ودب"

 علي حسين يريد تحالف "قوى الدولة " أن يبدأ مرحلة جديدة في خدمة الوطن والمواطنين مثلما أخبرنا بيانه الأخير الذي قال فيه إن أعضاء التحالف طالبوا بضرورة تشريع تعديلات قانون الأحوال الشخصية، التي...
علي حسين

قناديل: انت ما تفهم سياسة..!!

 لطفية الدليمي كلُّ من عشق الحضارة الرافدينية بكلّ تلاوينها الرائعة لا بدّ أن يتذكّر كتاباً نشرته (دار الرشيد) العراقية أوائل ثمانينيات القرن الماضي. عنوان الكتاب (الفكر السياسي في العراق القديم)، وهو في الاصل...
لطفية الدليمي

قناطر: كنتُ في بغدادَ ولم أكنِ

طالب عبدالعزيز هل أقول بأنَّ بغداد مدينةٌ طاردةً لزائرها؟ كأني بها كذلك اليوم! فالمدينة التي كنتُ أقصدها عاشقاً، متلهفاً لرؤيتها لم تعد، ولا أتبع الاخيلة والاوهام التي كنتُ أحملها عنها، لكنَّ المنعطفَ الخطير والمتغيرَ...
طالب عبد العزيز

الزواج رابطة عقدية تنشأ من دون وسيط كهنوتي

هادي عزيز علي يقول الدكتور جواد علي في مفصله لتاريخ العرب قبل الاسلام ان الزواج قبل الاسلام قائم على: (الخطبة والمهر وعلى الايجاب والقبول وهو زواج منظم رتب الحياة العائلية وعين واجبات الوالدين والبنوة...
هادي عزيز علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram