الثلاثاء، 15 إبريل 2025

℃ 28
الرئيسية > أعمدة واراء > إنفلونزا الفوضى !

إنفلونزا الفوضى !

نشر في: 10 مارس, 2013: 08:00 م

لكل شيء في الحياة وجهان : وجه مضيء يشدنا إليه فلا نكاد نرى غيره ، ووجه أقل إضاءة نحاول أن نبعد أنظارنا عنه ونتفادى النظر إليه قدر الإمكان.

يصدق هذا على مجريات الحياة التي تبحر بنا من ضفة إلى أخرى في سفينة لا تطول أيدينا مجاديفها كي نستطيع التحكم في سرعتها ، ولا نملك الإمساك بدفتها كي نحدد اتجاهنا ونختار خط سيرنا لنلقي بحقائبنا في الميناء الذي نختار ، حيث تستقر أرواحنا على الأريكة التي نجد فيها راحتنا ، وننام على الجنب الذي تسكن إليه أبداننا ، ونغفو في الساعة التي تريد أعيننا ، ونصحو في الوقت الذي نشاء ، ونشرب من النبع الذي نهوى حتى نصل حد الارتواء .

أما البشر فحدث عنهم ولا حرج ، فهم وجوه كثيرة ربما يبدو من السهل تصنيفها ، لكن الأصعب من التصنيف ، هو أننا لا نستطيع معرفة هذه الوجوه على حقيقتها من النظرة الأولى أو الثانية ، وربما العاشرة أحيانا .

صحيح أن هناك من ليس له سوى وجه واحد لا يتغير من أي الجهات أتيته أو نظرت إليه ، لكن هذا الصنف من البشر نادر ، فهناك من له وجوه عدة تتغير حسب مقتضى الحال إلى الدرجة التي تغدو معها عملية حصر هذه الوجوه مهمة شبه مستحيلة ، أولئك هم الذين نشبههم بأخصائيي الأرصاد الجوية الذين يرصدون اتجاه الريح ودرجات سرعتها ، لكن الفرق بينهم وبين الأخصائيين أنهم لا يفعلون ذلك ليوافونا بحالة الطقس ، بل يرصدون اتجاهات الريح ليوجهوا دفتهم ناحيتها ، ميممين وجوههم شطر مصلحتهم التي يضعونها فوق كل اعتبار ، ويوجهونها وفقا لاتجاه الريح ودرجة قوتها .

وجوه تخدعك بطيبتها المصطنعة فتنخدع لها بطيبتك الفطرية ، هنا تكتشف أن ثمة فارقا كبيرا بين طيبة وطيبة ، تكتشف نوعا جديدا من الأقنعة متقنة الصنع لا يمكن اختراقها ، وتخرج من التجربة مثخنا بالجراح بعد أن تكون قد اكتسبت خبرة جديدة في فن التمييز بين الأصيل والمزيف لم تكن لتتعلمها دون ثمن ، لكن الثمن يكون باهظا أحيانا إلى الدرجة التي لا يمكنك تحمله فتكون الخسارة فادحة ، خسارة لا تستطيع تسجيلها مؤشرات أسواق المال ، لأنها خارج الحسابات والأرقام التي تسجلها شاشاتها ، خسارة لا يمكن تعويضها لأن أسهم البشر حين تهوي لا تعود إلى الارتفاع ثانية مهما ضخخنا فيها من أموال الدنيا أو حاولنا تصحيح أوضاعها .

لماذا من المفترض أن نتحدث عن هذه النماذج الشاذة ونترك النماذج الطبيعية التي لا تعرف الانحراف ؟ هل لأنها تستفزنا إلى الدرجة التي تجعلنا نبحث عنها كي نكشفها لمن لا يعرفها ؟

ربما ... وربما لأنها غادرت منطقة الشذوذ لتصبح هي القاعدة في زمن غادر مرحلة البراءة والشفافية إلى منطقة الزيف والاصطناع ، وانتقل من منطقة اليقين إلى منطقة الشك .

في خضم الفوضى التي تشهدها مفاهيمنا الاجتماعية تتداخل الألوان ويختلط الليل بالنهار فلا نعود نتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، وفي مثل هذه الظروف غير الحية يصبح من الواجب علينا أن نعلن حالة الطوارئ داخل نفوسنا كي لا تصيبها انفلونزا الفوضى ، ونفقد السيطرة عليها ، لأنه إذا جاز لنا أن نفقد الثقة بأخ أو قريب أو صديق أو زميل في العمل ، فلا يجوز لنا أن نفقد الثقة بأنفسنا ، وعندها فقط نحفظ لوجوهنا أشكالها الصحيحة ، ولنفوسنا جمالها الداخلي الذي نحرص على الاعتناء به مهما أجرت عوامل الزمن على وجوهنا من تغييرات وحفرت من أخاديد .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

قناطر: الزبير والمُستزْبِرون

العمود الثامن: من يحاسب ضباط الداخلية ؟

من يونيتاد الى المحكمة الجنائية الدولية..العدالة الدولية تحت المطرقة

هلال العيد.. جدل متجدد بين الفقه والعلم وثقافة الاختلاف

سيكولوجية تجنيد العقول في الجماعات الارهابية الدينية

العمود الثامن: اربيل تقرأ

 علي حسين صبيحة كل يوم يجد المواطن العراقي المسكين نفسه محاصرا بأخبار الصراع على السلطة، بين الذين يجلسون على كراسي السلطة.. حالة غريبة وعجيبة. هذا المواطن بعد تجربة مريرة لن يصدق أكذوبة أن...
علي حسين

كلاكيت: "ندم" وعودة الفيلم الجماهيري

 علاء المفرجي الانتاج السينمائي الموجه للجماهير العريضة بهدف جني الارباح من شباك التذاكر، هو الظاهرة التي لازمت الانتاج السينمائي في كل مكان، وربما كانت السبب الأساس في تراكم خبرة السينمات التي أزدهرت فيما...
علاء المفرجي

مرور نصف عقد على رحيل رفعة الجادرجي 10 نيسان 2020

بلقيس شرارة منذ خمسة اعوام فارق رفعة الحياة، وترك فراغاً كبيراً في حياتي. فقد كان رفيق فكر منذ ان تعّرفتُ عليه، وارتبطت حياتنا بذلك التقارب الفكري الذي ثبّت الأسس التي بنيت عليها تلك الرفقة...
بلقيس شرارة

الحاكم بمنظور إمام سلطة الحق

د. قاسم حسين صالح يعدّ الأمام علي اول خليفة وأول رجل دين في الأسلام ينتبه وينّبه الى صفة غاية في الأهمية يشترط توافرها في الحاكم هي ان يكون متمتعا ( بصحة نفسية وعقلية!).. وتعني...
د.قاسم حسين صالح
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram