اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > المُقاربة الإخراجية بين جواد الأسدي وحليم هاتف

المُقاربة الإخراجية بين جواد الأسدي وحليم هاتف

نشر في: 11 مارس, 2013: 08:00 م

 أتساءل تُرى ما الذي يجعل عرضاً مسرحياً مهماً وكبيراً ، ثم متميزاً عن غيره من العروض ؟ وما الذي يجعل من المتفرج يشير الى عمل ما بأنه عمل إبداعي وغيره من الاعمال لا إبداعية ؟ ما الذي يُمَكن مخرجا بأن يكون عرضه مثيراً للجدل ، وغيره مخرجاً لا يُثير

 أتساءل تُرى ما الذي يجعل عرضاً مسرحياً مهماً وكبيراً ، ثم متميزاً عن غيره من العروض ؟ وما الذي يجعل من المتفرج يشير الى عمل ما بأنه عمل إبداعي وغيره من الاعمال لا إبداعية ؟ ما الذي يُمَكن مخرجا بأن يكون عرضه مثيراً للجدل ، وغيره مخرجاً لا يُثير اي جدل ؟ وبذلك يمكنني (انا) كقارىء لهذا العرض الذي قرّبني كثيرا من حليم هاتف وأبعدني كثيرا من مؤلف النص ومخرجه سابقا ( جواد الاسدي) ، لان ما يميزالاول عن الثاني ليس أكثر من امتلاكه للرؤيا الاخراجية وعدم وجودها لدى جواد الاسدي في  عرض مسرحية (حمام بغدادي) التي أسماها حليم هاتف  (سفر – طاس) .
لقد عمد المخرج ( حليم هاتف ) الى ازاحة ما استقر عليه النص (العنوان ) من (حمام بغدادي ) إلى (سفر - طاس ) ما جعل أولى التساؤلات  تلمح في وعينا عبر تحريك روحية التواصل ، سفر مفردة تحيلنا الى أشياء كثيرة وما تحمله من معانٍ تنضوي تحت مظلة هرمونطيقية ، و طاس ، تلك المفردة الشعبية الغائرة في العمق ، وما تشكله من فكر شفاهي ، فان تينك المفردتين المركبتين بفعل (رؤيا حليم هاتف الاخراجية ) ، كانت تشير الى الاحداث من دون ان تدخل في صميمها مطلقا ، وبذلك فأن تحريك المداخل النصية في حمام الاسدي ادى الى تحريك  باطن الاحداث ان كانت ثمة بواطن في الموضوع ، ( سفر  - طاس)  حليم هاتف كان اقرب الى الروح الشعبي العراقي ، كان الاقرب الينا نحن الهامشيين ، لذا اجد في حمام بغدادي أن فقر الرؤية الاخراجية قد تعكز كثيرا جدا على روعة النص وأداءات الممثلين وقدرتهم الكبيرة على التأثير فينا ، كان ( فايز قزق / مجيد ، و نضال سيجري / حمود ) ساحرين يفهمان  كل كلمة عراقية شعبية نطقاها، وكانا يعيان كل حركة وضرورتها ، بحيث كانا مهندسين مبهرين جدا ، لذا فقد بدا التمثيل والنص طاغيا بقوة على كل ما له علاقة برؤيا المخرج ، ما ادى الى تلاشي اية رؤية اخراجية ، فالنص الذي قرأته يقترح وجودهم في حمام أولا وثانيا في الحدود بين العراق – الادرن ، وبقي الحمام نصيا والحدود كما هي في النص ، اي ان جواد الاسدي لم يتعدَّ ما قام بكتابته في النص ، بل جعله كخارطة طريق سار على ما فيها ، الا ان التمثيل كان يمتلك حريته التي تجاوزت حدود النص لان الممثل كان عليه ان يتلفظ بمفردتين ( شعبية عراقية – عربية فصيحة ) وهو ما منح الممثل القدرة على التلوين أداءً ومنحه فضاءً لتغيير اسلوب نطق المفردة وتحميلها تأويلات ممتعه للمشاهد ، فمع سكونية الفضاء في حمام بغدادي كان هنالك حراك المفردة والتمثيل ، ونص الاسدي كان نصا بارعا بُني بشكل عصري وان احتفظ بخط درامي متصاعد ، الا أن الشخصيتين كان لكل منهما فضاؤه الخاص به والذي ذاب في فضاء الحمام . نجح النص والتمثيل كثيرا جدا في هز ذائقتنا الفنية والفكرية والجمالية ، إلا ان تهاوي رؤيا المخرج قد أثقلت عملية التلقي ، لأنني كلما استمتعت بالتمثل والنص برزت لي فكرة غياب رؤيا إخراجية ، كان العرض بحاجة إليها ليكون عرضا متلاحما ، تنسجم فيه كل العناصر التي عملت في بنائه بمعنى إن يكون عرضاً متكاملا .
  وفي سفر - طاس حليم هاتف ، تكون العملية كالآتي ، نجد مخرجا يتحلى برؤيا إخراجية واضحة للعيان  ، ونجد فضاءً متحركاً وفاعلا ، بحيث نتنقل في كل فضاء العرض مع ما يفاجئنا به من أشياء جعلت من جسد العرض نابضاً بالجمال ، فالماء كل شيء في العرض ، الماء على الجدران ، والماء على أرض التمثيل وأجساد الممثلين ، فقد كان حمام حليم هاتف حماماً ليس مادياً كحمام الاسدي ، اي ان حمام حليم هاتف لم يكن مكانا لعرض الأحداث ،  بل كان حماما يشتغل على الجسد والروح ، الماء هو المكان وهو الزمان للأحداث ، وتلك كانت من اهم مؤشرات الرؤيا الإخراجية التي امتلكها عرض (سفر – طاس ) ، الفضاء يتحرك والممثل يزيد من هذا الحراك ، الفضاء كان داعما ودافعا لفعل التمثيل ، وليس العكس ، فقد جاءت امكانات التمثيل التي ظهرت لدى الممثل الشاب أنس راهي ، جاءت بفعل ارتقائه والرؤيا الاخراجية التي صنعت ذلك الأفق المتحرك والمتجدد طوال زمن العرض ، وذلك بسبب عامل الصناعة والابتكار ، إذ ان سفر- طاس بُني على صناعة حمام  داخل قاعة صغيرة ، وتلك الصناعة هي التي ساعدت كثيرا في توجيه دفة التشكيل والرؤيا الى ما يريده المخرج ومن معه ، لان جهوزية المكان لدى الاسدي حددت كثيرا تشكيل الرؤية ومعماريتها ، بينما تشكيل فضاء مبتكر عند حليم حدد معمارية المكان وفق رؤيته التي يبغي فنجح في ذلك كثيراً .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram