نعم انه مستبد. لكن محلاه. لا نفتقد شخصا أكثر منه. مجيئه فرج وغيابه كرب. نحبه ونكرمه. ذلك هو زبال محلتنا. يأتي بحاويته ومعه عامل. سائق الحاوية يبقى خلف مقوده. عامل النظافة يدق الأبواب. ينقل أكياس الزبل الى الحاوية ويتلقى المقسوم. والمقسوم يرتفع اذا انضمت حشائش الحديقة الى الزبل. انه مسؤول عن رفع أنقاض البشر لا أنقاض الحدائق. لذلك يجب رفع المقسوم أضعافا.
رضا. بل سعادة. فليس هناك ما هو أثقل على قلوب البشر، ولا على أجواء البيوت، من بقاء الزبل يوما أو ثلاثة أيام تراوح في مكانها. اذا وضعته قرب الباب الخارجي ستراه وأنت داخل أو خارج. واذا أبقيته داخل المنزل عطت ريحته وفاحت. والحاوية لا تأتي كل يوم. ليس لديها موعد ثابت في اليوم ولا في الساعة. تجيء في الاسبوع مرتين وأحيانا أكثر وأحيانا أقل. وقد لا تأتي اسبوعا كاملا.
مستبد! لكن لا غنى عنه. نشط فترة على نحو استثنائي عندما خضع لرقابة سيارة تابعة للبلدية. كانت تدور في الحي يوميا، ولذلك كانت الحاوية مضطرة للمجيء يوميا. حيُّنا قريب من شارع المطار، وكانت تلك فترة انعقاد القمة العربية. خلالها لم يبت الزبل ليلة واحدة في منازل الحي. راحت القمة وراح معها ذلك النشاط اللافت، وعادت المياه الى مجاريها.
منذ سكنت هذا الحي عام 2005 والحال كذلك. أحيانا كانت تنتابني نوبة حماس، فأفكر في الدعوة الى اجتماع لأهل زقاقنا من أجل رفع شكوى الى البلدية. لكن مثل هذا العمل أو الأمل يحتاج الى اختبارات. تَطرح كلمة مع هذا الجار، وتُلقي أخرى على صاحب الدكان، لترى رد الفعل فتتراجع أو تتقدم. سرعان ما تتراجع. لدى الناس هموم أكبر، أو انهم يائسون، أو ربما عدميون. لا تدري، ولا تستطيع أن تلوم، فالأحكام صعبة في ظروف الفوضى لأن المقاييس ضائعة.
ظل الزبال عزيزا مكرما. وظل مستبدا. ولكن دولة الظلم لا تدوم. فقبل أيام فقد مكانته. يدق الأبواب لكن نادرا ما تفتح له. لكأن منازلهم صارت "خلية". وكان وراء تراجع تلك المكانة السامية سبب قوي. فقد وضعوا على رأس كل زقاق حاوية أزبال ثابتة. وانحلت بذلك عقدة الزبل. صار القوم أحرارا في نقل الأزبال الى الحاوية الثابتة كل ساعة وكل يوم، في أي توقيت يشاؤون، بلا تأخير ولا انتظار.
أخيرا ذاق أناس الحي طعم الحرية. تخلصوا من طغيان الزبال. وتقدموا خطوة نحو الحضارة. سقط من البال أحد الهموم. والحضارة هي تقليص الهموم التافهة أو رفع مستواها من أدنى الى أعلى.
بعد سبع سنوات تحقق هذا المنجز. لكن اليد على القلب. لا تهيء أفراحك. فقد تعرضت الحاوية الثابتة الى "خرق" أدى الى خلع أحد جهاتها. كيف وقع هذا الخرق؟ تساءلنا أنا وزوجتي. تبسمتْ. قلت لها: هل هو نفس الخاطر الذي يراودني؟ وأضفت: لن أتهم الزبال دون دليل. فكونه صاحب المصلحة الوحيدة في تدمير الحاوية الثابتة ليس برهانا. وكون المستبد بطبيعته صانع مشاكل أيضا ليس دليلا.
هوَّنا الأمر على أنفسنا. فالمهم هو إن الخرق الذي حدث لم يبطل صلاحية الحاوية. لكن للاحتياط قررنا مراعاة الزبال مستقبلا، بإعادة شيء من المقسوم اليه. غير ان معنى هذا القرار هو تجدد الخوف وعودة استبداد الزبال جزئيا والشك بحقيقة تقدمنا خطوة نحو الحرية والحضارة.
جميع التعليقات 1
smh
ياصديقي لقد نسيت ان تذكر من اي عشيره هذا الزبال ٬لو تخاف ياخذون منك فصل؟