كنت أتصور أن الأمر لا يعدو ان يكون مجرد نكتة أو محاولة لاسعاد الناس وإضحاكهم، غير أنه بات من الواضح أن منطق الجهل والجرأة على الإفتاء في كل شيء، لا يزال هو المسيطر على المشهد السياسي، وسيظل يلازمنا مادامت الناس تصدق هذه الخلطة المشوهة من المسؤولين والسياسيين ممّن يصرون على اللعب على مشاعر الناس البسطاء، ويستخفون بمعاناتهم وحاجتهم الى الأمن والاستقرار والعمل.
اليوم نسمع ونشاهد ما يقوله هؤلاء المرشحون الذين يدعون السهر على مصالح العباد، وفي الوقت نفسه لا يتورعون من الرقص ليل نهار مع الفساد. عانينا منهم كثيرا، وتعددت صورهم وأشكالهم، يلبس بعضهم عباءة الفضيلة ليداري الرذيلة، ولكن روائح فسادهم الكريهة ملأت أروقة مؤسسات الدولة، وتسربت منها إلى الشوارع والأقضية والنواحي والمدن وتحول بعضهم إلى مصيبة وقعت على رؤوس العباد.
من ذلك مثلا أن الناس البسطاء الذين يحاصرهم الإحباط والعوز والبطالة من كل اتجاه.. نجد من يريد ان يقايض سنين معاناتهم بقنينة عصير اعتقد سيادته أنه لو لا المالكي ومثابرته وتعبه لما استطاع هؤلاء المساكين من تناول هذا العصير.. سيقول البعض ان الامر مجرد نكتة، ولكن صدقوني هذا ما قاله السيد جبير سلمان الجبوري رئيس مجلس محافظة الديوانية وهو يروج لقائمة السيد المالكي، ويدعو الناس لانتخابه لأنه استطاع خلال سنوات حكمه المجيدة أن يجعلهم يتذوقون العصير الذي قال عنه وبالحرف الواحد "يعني اذا هسه كمنه نشرب عصير اللي قبل نتحسر عليه وما شايفينه او ما نعرفه اصلا.. الخير راح يتضاعف عشر مرت بعد هاي الدورة" ويقصد السيد جبير الدورة الانتخابية التي يحذر مواطني الديوانية فيها من انتخاب اي قائمة غير قائمة دولة القانون لأن الباقين جميعا وحسب قوله، تجار مخدرات.
فالسيد رئيس مجلس المحافظة قرر أن يغير قواعد اللعبة السياسية وبدلا من يقدم للناس مشروعه الانتخابي، قرر ان يطمئنهم بان العصير الذي حصلوا عليه بفضل جهوده ومعه أشاوس المحافظة سيتضاعف عشر مرات... وكأننا لم نبرح عصر صدام بعد حين كان يقول للعراقيين أنهم كانوا صفر الوجوه سيئو التغذية قبل ان يحل عليهم عصر القائد الضرورة.
وانا ابحث عن سجل انجازات السيد جبير سلمان لاهالي محافظة الديوانية لم اجد غير انه ساهم ومعه اعضاء محافظته بإشاعة الخراب والفساد، وان المحافظة تعاني بفضل "عصيره" من سوء الخدمات والاهمال، وانها في سلم المحافظات من حيث الاستثمار والتنمية.. ولان رئيس مجلس المحافظة لم يجد منجزا واحدا، فانه وجد في ازدهار مبيعات العصير فرصة لكي يخبر الناس بحجم التطور الذي حصل خلال السنوات الماضية في المحافظة التي كانت قبل ان يهل عليها السيد "جبير" غارقة في مستنقعات التخلف حتى انقذها رئيس مجلس المحافظة من مصير اسود في منتهى القتامة والبؤس، فيما اليوم هي بمصاف مدن مثل اسطنبول وسنغافورة وبرلين، ولهذا ليس عجيبا ان غالبية الشعب تحب الحكومة وإنجازاتها العملاقة ويفضلونها على حكومات بلدان عجزت عن خدمة شعوبها مثلما فعلت حكومة المالكي خلال السبع سنوات الماضية.
ما المفاجأة إذن في أن نصبح في مقدمة الدول كما بشرنا المالكي يوما ونحن نطلق على افتتاح ندوة عشائرية مشروعا قوميا لم يسبقنا إليه احد، فعلا.. نحن في المقدمة دوما من كل الوجوه، وهل هناك غيرنا هلهل وصفق لمجرد ان طارت قندرة نائبة في الهواء
لست ضليعا في شؤون منجزات السادة أعضاء مجالس المحافظات، كما انني لم اجرب للاسف عصير " جبير"، لكني أعرف وأرى في بلادنا شبابا محرومين من فرص عمل ووظائف يستحقونها، وأعرف كما يعرف غيري أن الناس تموت بسبب الإهمال الأمني والشعارات الطائفية، وأرى كما يرى الجميع أن المكاسب والمغانم والوظائف في بلادنا التي ترفل في بحبوحة "العصير ومشتقاته لا تحدث وفقا لمعايير الكفاءة والتفوق، بعد أن أطلق ساستنا خيول النفاق والانتهازية والمحسوبية على أعنتها.
وأعرف كما يعرف الكل أن وطنا يقوده فصيل من المتزلفين والمتملقين مثل وطننا لم يحتمل وجود سنان الشبيبي ورحيم العكيلي وغيرهم المئات من الكفاءات الوطنية النزيهة، لكنه وضع أصحاب العصير ودعاة مشروع "قندهار عاصمة عراقستان" والذي بدأت بشائره في جامعة بغداد للبنات من ان يكونوا في صدارة المشهد السياسي والحكومي.