قد أكون منفردا في استغرابي من خروج تلك التظاهرات عند باب الخضراء للضغط على النواب لتمرير الموازنة. اسمع المتحمسين فافتح ملف تصاوير البؤس والفقر الذي جمّعت به صورا لأناس لا تصدق أنهم يعيشون في بلد نفطي. فهذه طفلة تبدو في الأول أو الثاني ابتدائي، تحضر واجبها البيتي مفترشة الرصيف قرب "جنبر" تبيع به الشكولاته. وآخر يحني ظهره على كتاب مدرسي وأمامه قناني غاز ينتظر من يشتري منه واحدة ليعود لأمه التي يعلم الله إن هي فتحت ريقها عند الصباح بلقمة أم لا. عجوز تدحرج قنينة غاز على الأرض وقد حنى الفقر ظهرها. اطفال ونساء ورجال، وحتى شباب، ينبشون في مكبات القمامة عن شيء يستحق الأكل أو البيع. بنات وبنون يستجدون في الطرقات. كل هذا ويأتيك من يدعي مخافة الله، من السياسيين، باكيا لاطما لان الميزانية تأخرت. فهل يلطم صاحبنا على الحسين، الذي أراه اقرب للفقراء والمعدمين الذين أطالع صورهم، أم على هريسة الدولارات التي تأخر عليه شفطها؟ ميزانية لا تحسب حساب هؤلاء الذين أرى صورهم لا تهمني إن تأجلت أو تأخرت لا بل حتى وان ماتت. فكم من ميزانية مرت وملف صور الفقر والضيم يكبر كل يوم؟
صار اسم "الميزانية" لا يرتبط لدي بشيء له علاقة برفاهية الناس أو إسعادهم أو حتى في إعمار البلد كما يحاول البعض تصوير ذلك. أقصى ما يفعله ذكر اسمها عندي انه يذكرني بيوم نصب "ميزانية" الكهرباء في بيت عمي بمدينة الثورة في العام 1965، يوم كنا نقضي هناك العطلة الصيفية مغادرين المدينة التي يعمل بها والدي معلما.
كان الحصول على "ميزانية" الكهرباء، في تلك الأيام، حدثا يتناقله الأقرباء والأصدقاء والجيران. فالذي يحالفه الحظ في نصبها ببيته يتكاثر حساده مثلما يتكاثر مهنئوه. لذا تجد أهل الدار يرشّون الطريق للكهربائي القادم بها ويعدون له الغداء. ولا تستغربوا إن وجدتم من تطش الواهلية على رأسه أو تطلق الهلاهل في الهواء.
قبل ان تأتي "الميزانية" لبيت عمي كنا نسحب الكهرباء عن طريق "السيّار" من بيت جيراننا الذي هو ايضا شقيق والدي من أبيه. كانت روحنا معلقة بيد العم الجار. وبرغم ان بيت عمي يقاسمونه دفع الفاتورة الكهربائية الا انه حين تحل الساعة الرابعة عصرا يسحب "البلك" ويقطع الكهرباء عنا فتشوغ أرواحنا من شدة الحر. لم ينفع معه عتاب ولا توسل. يقطعها ثم يعود ليكمل نومته هو وعياله تحت المروحة. تدخلت والدتي ذات يوم وتوسلت به أن يعطينا ولو ساعة إضافية واحدة لأن ذلك اليوم من شهر آب كان جهنميا. رد عليها بأنها ان لم تسكت سيقطع الكهرباء عنا الى الأبد. رجعت أمي خائبة وهي تدمدم: "صار للكرعة رجل كامت تهدد بالطلاك ". واترك لكم تصور كيف كانت فرحتنا يوم جاءت الميزانية لبيت عمي. ولكي "ننتقم" من عمنا الجار صرنا نرفع صوت الراديو ونغني معه لنغيظه. كان يرد علينا "الله كريم".
تذكرت تلك الأيام وأنا اقرأ واسمع تصريحات أنصار دولة القانون الذين يرون في تمرير الميزانية من دون موافقة الأكراد والقائمة العراقية عرسا. قال احدهم "غادرنا مبدأ التوافق من غير رجعة" وصار يبشر بقرب ولادة حكومة الأغلبية. حَبْها ولبط! رحمك الله يا أمي فهذا هو ديدن كل "كرعة". لكن هل تعلم كرعة دولة القانون أن كلامها عن الطلاق من التوافق سيصب كارثة أخرى على رأس هذا البلد المثقل بالكوارث أصلاً.
يردس حيل الما شايفها.
صـار للكرعـة رجـل
[post-views]
نشر في: 12 مارس, 2013: 08:00 م
جميع التعليقات 4
المدقق
كل هاي العالم ما تفتهم بس انت وكتاب جريدتك ورئيس التحرير تفتهمون ..هههههههه كافي عاد مو طكت ارواحنة منك ومن امثالك
Ankido
ميزانية العراق هي ملك لصوص وتكارتت العراق الجدد اصحاب الدرجات الخاصة والشهادات المزورة والسيارات المصفحة تكارتت العراق الجدد امراء احزاب الفرهود بعربهم وعجمهم أما الشعب المظلوم فله الخطب الرنانة الفارغة ومفخخات الارهاب والحصة التموينية البائسة ان وزعت. بس
حيدر الساري
تبقى شامخا بكتاباتك استاذ هاشم
قاسم عبد الل
والنعم منك استاذ هاشم ..... اكتب واكتب واكتب ولا تخشى في الله لومة لائم .... المثل يذكرني بمثل اخر مع احترامي الشديد لك وللقراء الكرام ( الخره صار عنده مره كام يحلف بالطلاك. ).