يثير مقال الدكتورة منى العينه جي (المدى – 2745 – 10/ 3/ 2013) أسئلة متعددة الوجوه والمستويات، شأن أي مقال حيوي يمس لحظتنا العراقية المتوترة، وهي تبحث بذهنية الأكاديمية المسؤولة، إذ أولت مسألة بناء "الدولة الرشيدة" أهمية خاصة وجعلتها مدخلا
يثير مقال الدكتورة منى العينه جي (المدى – 2745 – 10/ 3/ 2013) أسئلة متعددة الوجوه والمستويات، شأن أي مقال حيوي يمس لحظتنا العراقية المتوترة، وهي تبحث بذهنية الأكاديمية المسؤولة، إذ أولت مسألة بناء "الدولة الرشيدة" أهمية خاصة وجعلتها مدخلاً لكشف حالتنا اليوم، بعد عشر سنوات على التحرير/ الاحتلال/ التغيير، وعدّت صبر العراقيين نوعاً من الوهم لإتاحة فرص نادرة للسياسيين وأصحاب القرار كي يتحقق ما كان مأمولاً فتعثر، بل تراجع أبسط الأحلام بعد أن صار كابوساً يصعب التعايش معه في الليل العراقي النعسان وغير القادر على النوم.
جاء متن مقال العينه جي، بجملته، وصفاً، شديد التركيز والحذق، وفي عناوينه الفرعية (تعدد/ تشظي السلطات الاجتماعية والدينية والسياسية) ليكشف تفتت الهيكل العام للدولة والتجاذبات الفكرية والسلوكية التي تخضع لها أو تتعايش معها أو تستخدمها الدولة والحكومة روافع من خارجها لحمل سياسات حكومية وحزبية وتبرير أخطاء قاتلة في الطريق إلى بناء الدولة المأمولة.
وجدت في استخلاص ذلك المقال جوهر الأزمة الراهنة التي تعيشها الدولة والمجتمع، أقترح أن يكون هذا الاستخلاص هو المحور الأساس والبناء عليه للخروج بأسئلة مهمة لمواجهة واقعنا المريض، لأنه (الاستخلاص) يحظى بأولوية إجرائية وبحثية معاً، ليكون هو المتن الذي تنبني عليه أفكار المقال أو أي مقال معني في بحث صورتنا الكئيبة، اليوم.
صحوة ثقافية
يقول الاستخلاص:
"الجمود على فكر الطائفة والعشيرة كمؤسسات أصبحت تشارك القرار السياسي، ومأزق الثقة الذي وقعت به الحكومة بخذلان المجتمع وعدم تحقيق حاجاته، تؤشر المأزق الثالث وهو مأزق الفهم لمعنى التحول الديمقراطي من خلال الإصرار على نظام دستوري لم يثبت نجاحه وهو نظام المحاصصة الذي أفرز المأزقين السابقين وجعل النخب السياسية عاجزة أمام مشكلات تراكمت، وجميعها أصبحت مؤجلة، لأن الموضوع لم يعد إصدار قرارات أو بناء مؤسسات حكومية جديدة، بل يرتبط بصحوة ثقافية تتبنى تغيير ثقافة المجتمع المريضة وإعادة تشكيل وعي مؤسسي جديد وتغيير الممارسات الثقافية والاجتماعية سياسياً ، وإعادة بناء نسق القيم" .
أقترح – لمقالي على الأقل – أن يلتقط تعبير "صحوة ثقافية" الذي ورد في اختتام مقال الدكتورة المهم ليكون محوراً فرعياً ضمن المحور الأساس الذي اقترحته لأنه يمكن أن يكون عنواناً لمؤتمر ثقافي/ فكري تتبناه (المدى) مثلاً وتدعو المعنيين إلى تقديم أوراق بحثية بشأنه ولا مانع من توكيد الفكرة في جلسات متعددة تكون عنواناتها (المقترحة):
* الشروط الموضوعية لنجاح صحوة ثقافية لبحث الأزمة العراقية منذ سقوط النظام السابق.
* دور الأحزاب العراقية الوطنية في بناء أو تدمير الدولة العراقية.
* نظام المحاصصة والآلية الديمقراطية – إجرائياً وسياسياً.
* العلاقة بين مكونات المجتمع العراقية ودور الأحزاب في تجميعها أو تفتيتها.
* تغيير ثقافة المجتمع – الأفكار والممكنات وسُبل التطبيق.
يمكن إضافة عنوانات أخرى أو دمج ما ورد حسب الضرورة والأهمية.
تغيير ثقافة المجتمع المريضة
إن "تغيير ثقافة المجتمع المريضة" كما ورد في اختتام مقال الدكتورة العينه جي يستحق وحده، لا مؤتمراً خاصاً، أو ملفاً ثقافياً، بل يتطلب كفاحاً عنيداً من ذوي المصلحة الحقيقية في إحداث مثل هذا التغيير.
لم تترك لنا سنوات القمع والصمت والآلام التي أخذت من عمر بلدنا، ومن أعمارنا، عقوداً مديدة المجال المناسب لمساءلة هذه "الثقافة المريضة" التي تمثل البُنية التحتية لمجمل البُنى الفوقية في مجتمعنا العراقي، وقد سبق لمفكرين وباحثين مرموقين (علي الوردي ومشروعه الناقص، مثالاً لا حصراً) إن تجرَّأوا على كشف معايير وأحكام وعادت فكرية خاطئة في حياة مجتمعنا وسلوكات أفراده بشأن تلك المنعطفات الخطيرة التي مر بها البلد والمجتمع منذ تأسيس الدولة العراقية.
إنه لأمر بالغ الأهمية أن يكون "تغيير ثقافة المجتمع المريضة" ميداناً مهماً وواسعاً لبحث هذه المهمة الصعبة وتبيان المؤهلات والإمكانات المتاحة، اليوم، التي تهيئ وتعد الأرضية الفكرية/ الثقافية/ الإعلامية/ التربوية وتساعد على وضع البرامج والخطوات المناسبة على هذا الصعيد، وإعادة تشكيل "وعي مؤسسي جديد" كما ورد أيضاً في المقال المذكور، يشير بشكل عابر إلى قضية جوهرية، شبه مستعصية، كي لا أقول في غاية الاستعصاء، لأن إمكانيات تشكيل الوعي الجديد، بشأن أية قضية تتعلق ببنية الدولة وتفريعاتها، تكاد تكون شبه معدومة في عراق اليوم، عراق جديد بعقلية قديمة، حيث أصحاب القرار – من الأعلى إلى الأدنى – هم جزء من المشكلة، بل المشكلة كلها، ولم يكونوا يوماً جزءاً من الحل.. الأدلة كثيرة وأبسطها: فشل الدولة الراهنة على مختلف مستوياتها التشريعية والقضائية والتفيذية، بل حتى على مستوى علاقتها بنفسها، فبعض رموز الدولة هم معاول تهديمها حتى عندما يحاولون بناء جدار عازل أو تبليط شارع أو إضاءة زقاق معنم.
إن وعياً مؤسساتياً جديداً يحتاج إلى مناخ سياسي وثقافي جديد من عناصره: حرية التعبير واحترام الرأي المخالف وإشاعة ثقافة التسامح (مع محاسبة المجرمين السياسيين أمام قضاء نزيه ومهني) وتكريس ثقافة الاعتذار (من الماضي والحاضر) والتفكر ببناء مستقبل ممكن للعيش المشترك بين أطياف المجتمع وأفراده.
تغيير الممارسات الثقافية والاجتماعية سياسياً وإعادة بناء نسق القيم
كيف يتأتى لمجتمع ما أن يغير الممارسات الثقافية والاجتماعية سياسياً بينما يقبع خائفاً خلف أسوار سميكة خشية المفخخات الإرهابية والغارات الحكومية على المعارضين وسياسة التسقيط والتسقيط المضاد وشيوع ثقافة عدم الثقة بين الأطراف (سياسية وثقافية وطائفية وجغرافية) والصراع غير المبدأي على كل شيء واستشراء الفساد المالي والأخلاقي؟
إنه سؤال طويل يتألف من أسئلة عـدة.. بينما يقف وراء هذا كله غياب = تغييب الصوت الثقافي حتى بابت حوار المثقفين مع بعضهم نوعاً من التخاطب من وراء أسوار عالية، كما يجري الآن في هذا الحوار.
القيم العراقية، كما أعرفها، بلا نسق.. فإن نضع لها نسقاً، أظن نحتاج إلى دراسة هذه القيم من جديد، بعد الكثير من المياه التي مرت تحت الكثير من الجسور، ومن جديد أرى أن قيمنا العراقية مثار حرب أهلية، طوراً فكرية وطوراً إرهابية، وقد تخطى واقعنا العراقي، اليوم، فرصة أن يرى إلى نفسه في مرآة محايدة، لأنه يفضّل المرايا التي تضخم الذات وتصغر وتشوه الخصوم، وهذه واحدة من قيمنا الراسخة، للأسف، فالأولى أن نبحث القيم العراقية، أولاً، ومن ثم إيجاد النسق، وبعدها أن ندرس بتفصيل جدي إعادة بناء القيم الحية منها ونقد السيئ ودفن الميت الذي لا حياة ترجى منه.
شكرا للدكتورة العينه جي لأنها أتاحت بمقالها فرصة للحوار الذي آمل أن يتوسع لحوار أشمل وأنفع وأكثر فاعلية.
جميع التعليقات 1
mahdi Moslim
الاخت الاكاديميةمنى العينة المحترمةان المقال يحتاج لاكتر من وقفةولكن كنت اتمنا ان يتم تعيين احد الاجانب يعنى رجل او امراة لادارة رئاسة الوزارة متل ما يحصل بكرة القدم وهذا سوف يقظى على كل النعرات الطائفية التى تنخر بجسم الدولة والحكومة وشكرا