دخلت الثورة السورية عامها الثالث، معمّدةً بدماء أكثر من ثمانين ألف مواطن، فيما تتنامى مشاعر الخوف من استمرار المعارك، التي قد تقود إلى تقسيم البلاد، ما لم تتمكن المعارضة قريباً، من تعديل ميزان القوى، لمواجهة آلة النظام العسكرية، المدعومة بالإمدادات الروسية والإيرانية، ومواجهة عجز المجتمع الدولي عن التدخل، الناجم عن شلل مجلس الأمن، عن إنهاء الصراع الذي أوصل البلاد إلى نقطة بالغة الخطورة، وضعتها تحت تهديد وحدة جغرافيتها السياسية، حيث يسيطر نظام الأسد على جزء، تاركا الباقي للمعارضة المنقسمة على نفسها، والموزعة الولاء، ليكون هذا الجزء حاضنةً للتطرف والفوضى.
تدخل الثورة عامها الثالث، وقد بدأ النظام محاولة تصدير العنف إلى دول الجوار الأضعف، حيث تتكرر عمليات القصف وتبادل إطلاق النار في المناطق الحدودية مع لبنان، ما دفع مجلس الأمن الدولي لإصدار بيان يعبر عن قلقه العميق من تداعيات الأزمة على استقرار لبنان، في حين أعلنت دمشق عن اشتباهها بأن الأردن بدأ السماح بتسلل مقاتلين وتهريب أسلحة إلى جنوب سوريا، وشجبت ما وصفته التغيير الحاصل في موقف الأردن، الذي كان يضبط حدوده بشكل جيد، لمنع مرور مقاتلين وأسلحة إلى الداخل السوري.
بعد انقضاء عامين من التدمير والتهجير والقتل الممنهج، يبدو أن ضمير الغرب أفاق من غفوته المتعمدة، فطرح علناً مسألة تسليح المعارضة، وتصدت بريطانيا وفرنسا للمهمة المتأخرة، بدعم متباطيء من بقية الأوروبيين، وأكدتا استعدادهما لتجاهل الحظر ودعم معارضي الأسد بالسلاح إن كان يمكن لذلك أن يساعد على إسقاطه، وفي المقابل كثفت إيران دعمها العسكري للنظام السوري، بالتعاون مع روسيا، باعتبارهما مصدرين رئيسين لدعمه، في الحرب التي تأخذ أكثر فأكثر بعداً طائفياً.
تدخل الثورة عامها الثالث، في ظل عدم قدرة النظام ومعارضيه على حسم الصراع عسكرياً، برغم لجوء النظام لاستخدام كل مدخراته الحربية، من طائرات حربية ومروحية وصواريخ سكود، وبالرغم من تحقيق الجيش الحر، مكاسب ميدانية، وسيطرته على مناطق واسعة لاسيما في الشمال، حيث انتشرت منظمات إسلاموية بطابع طائفي، وانقسم الكرد بين مؤيد ومعارض، من خلال التحالف مع حزب العمال الكردستاني التركي، نكاية بسياسات أنقره ضد نظام الأسد.
تحولت بلاد الشام إلى ساحة معركة إقليمية، تشترك فيها لبنان والعراق ودول الخليج وتركيا وإيران، وهي بصدد استقبال لاعبين دوليين، فإضافة إلى روسيا المنخرطة في الصراع منذ بدايته، ها نحن نشهد تحركاً فرنسياً بريطانياً يتجاوز رؤية المجتمع الدولي بأن الحل لا يمكن أن يكون إلاّ سياسياً، أي بمشاركة الأسد، الذي فهم أن ذلك سيكون بإشرافه وتحت سقف نظامه، متجاهلاً مسؤوليته عن ما أريق من دماء السوريين، وما تهدم من وطنهم، وهو استغل كل ثغرة في النظام الدولي المؤيد لأمن إسرائيل، وهو يضمن ذلك، والعداء المعلن من الجانبين للتنظيمات المتطرفة، التي تسللت إلى صفوف الثورة التي بدأت سلمية، إلى أن أجبرها النظام على التسلح، للدفاع عن نفسها وحواضنها الشعبية.
اليوم يقف المجتمع الدولي أمام الوضع السوري المتفجر مع استحالة الحسم عسكرياً أو سياسياً، وعدم القدرة على الحفاظ على الدولة وجيشها، وبما يفضي حتماً إلى زعزعة استقرار الإقليم، بما في ذلك أمن إسرائيل، ولعل ذلك هو ما دفع الإدارة الأميركية، لمحاولة التربيط بين "المعارضة المعتدلة وبشار المتنازل"، غير أنها أغفلت "الجهاديين" الذين مكّنوا لأنفسهم، لدرجة تجاوزت فيها "إنجازاتهم" كل ما قدمته أطياف المعارضة، التي خذلت شعبها والعالم، حين عجزت عن توحيد جهودها في برنامج نضالي موحد، هدفه إطاحة نظام البعث والأسد، بدل التنافس على المواقع، في تأكيد لمقولة التنازع على جلد الدب قبل اصطياده.
الشعب السوري أثبت تفوقه على النظام والمعارضة، وكل أشكال التدخل الإقليمي والدولي في آن معاً، وبشكل يستحق معه النصر، وإن طالت المعاناة.
العام الثالث للثورة السورية
[post-views]
نشر في: 16 مارس, 2013: 09:01 م