اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > ناحية الخير وسط الهور تصدح بمواويل الفقراء

ناحية الخير وسط الهور تصدح بمواويل الفقراء

نشر في: 17 مارس, 2013: 09:01 م

عندما تذكر ميسان يتبادر الهور إلى ذهنك شئت أم أبيت،الهور جنة الله على الأرض هل مازال ينعم بذلك السحر؟لوحة الجاموس وهي تتوضأ بمياه القصب،شهقة الجمال في عيون صبية تغري البردي بضفائرها،ضربة الشمس على خدود امرأة تعصبت بالطين لتبني ملحمة الحياة الأبدية ،ل

عندما تذكر ميسان يتبادر الهور إلى ذهنك شئت أم أبيت،الهور جنة الله على الأرض هل مازال ينعم بذلك السحر؟لوحة الجاموس وهي تتوضأ بمياه القصب،شهقة الجمال في عيون صبية تغري البردي بضفائرها،ضربة الشمس على خدود امرأة تعصبت بالطين لتبني ملحمة الحياة الأبدية ،لتقول للعالم أجمع بأنها وريثة سومر من غير منازع،وأنا أراها وسط مشحوفها تجني طعام نارها وقوت جواميسها كأنها الهيفاء الأميرة التي لا ينافسها أحد على عرش الحسن،حينها سألتها عن اسمها ردت بصوت موسيقي  لا تألفه غير البلابل (حوراء)،تمنيت أن يعود عمري لأيام الصبا وأجلس قبالة كوخها أردد أغاني مسعود العمارتلي ومواويل سيد محمد وشجن كريم منصور،لكنها أمنيات ليس لها رصيد في قاموس العمر الذي ولّى..نعم ولّى ولن يعود.

علوة لتجّار السمك

اجتزنا قضاء المجر ووصلنا ناحية العدل ،هذه الناحية التي ولد فيها (مريدي الفرطوسي) الذي أصبح اسمه عنوانا لأكبر أسواق بغداد، ليرافقنا من تلك الناحية أحد الأقرباء واسمه محمد لعيبي متجهين صوب ما تبقى من أهوارنا الذي جففها الطاغية في السابق وإيران في الزمن اللاحق.

مررنا بمنطقة جرداء  لم نجد أثراً لمياه فيها ، قال  مرافقنا  إن هذه المنطقة  تسمى الكرملية وسميت بهذا الاسم نسبة إلى من قام بحفرها وهو قائد إنكليزي اسمه كرملي وكانت في السابق عبارة عن ميناء وسوق لبيع الأسماك ،حيث تأتي السفن من قضاء المجر والعمارة لتحمّل بأنواع الأسماك إلى سيارات تنتظرهم في قضاء المجر لتنطلق باتجاه بغداد وبقية المحافظات،وكانت الكرملية بمثابة علوة لتجار السمك كما يقول لعيبي لشتى أنواع الأسماك وكذلك الطيور المنوعة القادمة من الصين وروسيا،  مضيفا بأن البط يأتي من الصين ، وأما (الخضيري) فيأتي من روسيا ، وهي تأتي إلى الأهوار ابتداءً من شهر تشرين الثاني  وحتى شهر آذار، حيث  فترة تكاثرها ووجودها في تلك الأهوار طلبا للدفء والطعام،لكنها تصبح هدفا للصيادين سواء بالدوشة وهي شبكة خاصة بالطيور يصل سعرها إلى عشرة ملايين دينار كما يقول لعيبي أو الأسلحة النارية،مثل الكسرية ،بل  إن بعض الصيادين يستخدمون السموم مع الطعام وحين يقع الطير يقومون بذبحه .وتكون أسعار الطيور وهي على قيد الحياة أغلى من الطيور المذبوحة.

إيشان (حفيظ)

كلما دخلت في عمق الهور باتجاه القرى التي تتوزع على نهر العز  زادت السماء بأنواع الطيور، البعض منها لم أره طيلة حياتي ، فهي ملونة بألوان عدة، كطيور الببغاء لكنها أجمل منها،وهناك طيور الفلامنكو التي تؤدي رقصتها الشهيرة كسرب موحد يرسم بأقدامه وأجنحته موسيقى الهور.

أنّى تلتفت يصيبك الإحباط وكذلك الذهول،الإحباط لغياب الرعاية الحكومية لتلك المناطق التي كانت يوما ما قبلة الرحالة الأجانب،هذا الهور الذي أغنى أهله بالأساطير ،كم من يشن وسطه غاب واندثر واليشن هو تل مرتفع وسط الهور وإيشان (حفيظ )هو أشهرها وقد كتب عنه اوليفر دينسكر في كتابه (عرب الأهوار) وماكسويل في كتابه (قصة في مهب الريح) وكالميجر هجكون في كتابه (الحاج ريكان وعرب الأهوار وآخرون)،وجاءت شهرته  من أن في ذلك التل يوجد كنز  فيه كميات كبيرة من الحلي الذهبية وكذلك هناك عدد هائل من المجوهرات ويحرسه جنّي اسمه حفيظ ،وإذا ما حاول أحد من عرب الأهوار الوصول إليه يعود مجنونا أو مذبوحا كما يتناقله أهل الأهوار،لكن في ظل غياب الرقابة والاهتمام اندثر حفيظ ومجوهراته المفترضة .

 

طيور نادرة من الصين وروسيا

الأهوار هي موطن أنواع نادرة من الطيور ،مثل الوز وطائر أبو منجل المقدس، كما أنها منطقة  استراحة لآلاف الطيور المهاجرة من  سيبيريا وإفريقيا والصين، وتعتاش العديد من العوائل الساكنة هناك على موسم صيد الطيور التي تقطع آلاف الكيلومترات لتصبح طعاما شهيا ،ومع ذلك كلما يهاجر العديد منها يعود ثانية غيرآبهة بشباك ورصاص الصيادين.

كلما دارت إطارات العجلة  دار في عيني منظر أجمل من سابقه،و كلما دخلت في العمق اتسعت رقعة المعاناة في القرى المنتشرة على ضفاف نهر العز الذي لم يروِ أهله بالعز بل سقاها ذل الفاقة والحرمان.

المشاحيف هي وسيلة التنقل وكذلك نقل ما يحتاجون إليه  من غذاء لحيواناتهم المتنوعة،وللمشحوف أهمية خاصة في حياة أهل الهور، لذا تجده محور الحديث ولطالما تجده في قصائدهم وأغانيهم، مثل الأغنية التي أداها المطرب الراحل داخل حسن  (مشحوفنه طرّ الهور...يسبك (يسبق) بمشيه الماطور...مكيفين ماخذنه الفرح...واليوم صيدتنه اطيور) وبالتأكيد أن المشحوف وسط الهور يسبق الماطور لوجود الأزقة الضيقة من القصب وسط ذلك المارد السومري.

خنازير الأهوار

و نحن ندخل في العمق وسط طريق ضيق نضطر بين فترة وأخرى لإيقاف السيارة  من أجل مرور قطيع من الجاموس أو الجمال أو الأبقار أو الأغنام ، فكل شيء هناك حتى الخنازير تختفي بين غابات البردي المنتشرة وقد ذكرها الرحالة البريطاني (كافن يونغ) الذي زار الأهوار عام 1952 بأن الخنازير اختارت الأهوار مسكنا لها منذ بداية التاريخ ، وهذا ماتؤكده بعض المنحوتات السومرية التي يظهر فيها بعض الرجال وهم يقومون باصطياد الخنازير برماحهم، أما (جون جاكسون) الذي دخل أهوار القرنة عام 1797 فيقول (أطلقت النار على كركي وإذا بقطيع كبير من الخنازير يجري خارج غابات الصفصاف). ومن هنا نستدل بأن الخنازير عاشت في وادي الرافدين قبل السومريين. ومن الخطأ أن نأخذ بالرأي القائل بأن الخنازير في الأهوار من أصل أوروبي أو هندي. فالخنزير الأوروبي جسمه أحمر فاتح وشعره أبيض ويرعى نهاراً وينام ليلاً ويربى في البيوت والمزارع. أما الخنزير في الأهوار فجسمه ضخم وشعره أسود كثيف ويفتش عن غذائه ليلاً وينام نهاراً ،كما أنه وحشي ومفترس ، وكثيراً ما يسبب كوارث للفلاحين في مواسم حصاد الشلب وعند نضوج السنابل.

لا خير في ناحية الخير

يقول محمد إن هذه الأرض تابعة لعشيرة بيت خليفة وتلك للبوعلي، وهذه لعشيرة العمشان، فالاراضي هنا موزعة بين العشائر من غير سند حكومي،وتلك للشغانبة وهذه للفرطوس. وتتعدد العشائر وأغلبها من عشائر البومحمد والفريجات وغيرها من عشائر الأهوار.

دخلنا ناحية الخير الذي لم نلحظ  أي أثر للخير فيها، خيم لرعاة، بيوت من الطين وأخرى من القصب ،النساء سواء كنّ كبار السن أو فتيات لبسن ثياب السواد وكأنهن حزينات على هورهنّ القديم المتخم بالثراء في كل شيء،والمصيبة أن نساء الأهوار يعملن أضعاف ما يعمل الرجال كما يقول الشاب جاسم الذي يشكي حال المرأة هناك،فهي من تبني البيت من خلال خمرة الطين التي تعملها وتدوسها بقدميها ،وهي من تحلب ،وهي من تطهو وهي التي  تزرع وهي من تحصد وهي من ترعى وهي التي محرم عليها أن تغني (يبو المشحوف تانيني...الحبيب الكلب وديني) بل الأهل  يختارون لها بعلها ،وهي المحرومة من الدراسة ،إضافة إلى ذلك هي من تقوم ببيع الألبان والطيور سواء بالذهاب إلى ناحية العدل أو قضاء المجر الكبير، كما يقول جاسم، مضيفا أن الكثير من عوائل الأهوار لا يمتلكون هويات الأحوال المدنية ،وذلك لكون أغلب رجال تلك العوائل كانوا هاربين من الخدمة العسكرية ويتم زواجهم بعقد شفوي من قبل السيد. ويروي لنا المعلم ضياء الطريقة التي يقوم بها السيد أثناء عقد القران هناك ،حيث يقوم السيد بمخاطبة العريس(كول وجدك راضي)أي يطلب منه القسم بجده محمد على أنه موافق،ثم يلتفت للعروس ويقول لها أيضا(كولي وجدك راضية)، فتقول له(وجدك راضية) وبعد ذلك يقول للعريس(كوم حب مرتك) أي قبّل زوجتك، وهكذا يتم الزواج ويأتي الأطفال ليجدوا أنفسهم من غير هويات ويستمر الحال إلى يومنا هذا.

الناحية من غير إعدادية

وترى وسط  ما تبقى من نهر العز نباتات مختلفة ،مثل العنكر والزور والبردي، وهي نباتات طبيعية تخرج مع هطول الأمطار ، ونباتات الكعيبة والشبلان والشرع تجدها داخل النهر.

عبرنا جسر نهر العز الذي يبلغ طوله حوالي (5)كم. ويضيف محمد أن نهر العز يصب في قضاء القرنة التابع لمحافظة البصرة ،ومررنا بقرية تسمى قرية الشغانبة، التقينا ببعض الشباب الذين كانوا يسرحون مع أبقارهم وشكا أغلب الشباب عدم وجود إعدادية في ناحية الخير مما يضطر البعض إلى قطع أكثر من 30كم للذهاب إلى الإعدادية الموجودة في ناحية العدل كما يقول خالد صبيح موسى ويشاركه الرأي أيضا مرتضى جبر.

ونحن نتحدث مع الشباب مرت من جانبنا عيون تسطع منها غابات من السحر وكذلك الحزن الذي يفضح مظلومية قرون من الاضطهاد وجور الرجال،ألف سؤال دار في مخيلتي حينها ،أولها :من أين أتت تلك العيون الخضر؟ورغم ارتدائها للوشاح  لكنه لم يمنع تسرب شعاع الحسن من خلال تلك النظرات البريئة كبراءة ونقاء هورها الكبير.

وعرفنا من خلال حديث الشباب أن لكل قرية وهم يسمونها (سلف) مسمى ورقم ،فمثلا هنا تسمى قناة (4) وهي تابعة لسلف عشيرة العمشان ، وقناة (5)تابعة إلى سلف عشيرة نصر الله  ، ورقم(6) تابعة لسلف عشيرة الفريجات . ويضيف مرتضى جبر إن القناة تعني اتصال السلف بنهر العز،وقمة المعاناة التي تعيشها تلك المناطق هي في عدم وجود مياه صالحة للشرب مما تضطر تلك القرى إلى شراء مياه الشرب بواسطة(التناكر) ، حيث تتقاسم كل ثلاثة عوائل بـ(تنكر)يستخدم فقط للشرب والطبخ، أما بقية الاستخدامات فمن مياه النهر ،ومشهد ألم طبيعي أن ترى امرأة كبيرة وهي تغترف الماء من النهر بواسطة دلو من الألمنيوم،دون أن تشاهد رجلاً يفعل ذلك ،لأن الأعمال جميعها من اختصاص المرأة المنكوبة  !

التفتُ إلى الهور لأشكوه حال المرأة فقاطعني شاعر ميسان عبد الإله المنشداوي وهو يقول:

هور العمارة كم تعطي وكم تهبُ

وكم تغني وكم تبكي  وتنتحبُ

مذ ألف عام ومازالت تجاربهم

تريد أن يختفي البرديُّ والقصب ُ

يا للقساة  فكم  أسقيتهم   لبناً

وكم وقفت على الجاموس تحتلب ُ

وكم تغنت طيور وهي شاهقة

فكاد يطرب من  منقارها   الطربُ

وإلى حكاية أخرى من حكايات هذا وطني

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تربوي يشيد بامتحان "البكالوريا" ويؤكد: الخطا بطرق وضع الأسئلة

إطلاق سراح "داعشيين" من قبل قسد يوتر الأجواء الأمنية على الحدود العراقية

(المدى) تنشر مخرجات جلسة مجلس الوزراء

الحسم: أغلب الكتل السنية طالبت بتعديل فقرات قانون العفو العام

أسعار صرف الدولار في العراق تلامس الـ150 ألفاً

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram