في اللحظة الأخيرة، نجح بنيامين نتنياهو في إنجاز اتفاق مع حزبي "يش عتيد" بزعامة يئير لبيد، و"البيت اليهودي" اليميني المتطرف بزعامة نفتالي بينيت، ليشكل حكومته الثالثة، التي تمثل تحالف المستوطنين مع حيتان المال، وبذلك يفقد المراهنون على خطوات سلمية ذات طابع عملي الأمل، فنحن أمام حكومة تتسم بالضعف، بسبب إسناد الوزارات الأساسية فيها إلى وجوه جديدة، تفتقر إلى الخبرة والتجربة، وبالتطرف مع تولي موشيه يعالون حقيبة الدفاع، ونفتالي بينت ملف القدس، وأوري أرئيل حقيبة الإسكان، وهي بذلك ستكون خاضعة لسيطرة المستوطنين ومعرقلة لمسيرة السلام، حيث الأولوية لمواصلة الاستيطان، انطلاقا من كون وزارات التخطيط والدفاع والإسكان والداخلية والاقتصاد، سُلمت للمتحمسين للاستيطان، ما يعني أن حل الدولتين سيظل على الرف.
يمكن للمراقب ببساطة، ملاحظة أن عناصر عدم الاستقرار في الائتلاف الجديد كثيرة، منها عدم إمكانية التحاق أفيغدور ليبرمان بصفوفها، إن أدانته المحكمة، ما سيؤدي إلى تخفيف دعمه لها وعدم اكتراثه بها، كما أن عدم الانسجام بين مكوناتها إزاء عدد من القضايا سيكون عامل تفجير محتمل، كما أن علاقتها " بعرب إسرائيل" ستكون عاملاً على إثارة التوتر، حيث تسعى لفرض ما يسمى بالخدمة المدنية على الشباب العرب، تحت شعار "الخدمة المتساوية للجميع"، ومحاولة تطبيق توصيات بيغين لترحيل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، ومصادرة مئات ألوف الدونمات من أراضيهم في النقب، والسعي للمساس بنسبة التمثيل العربي في الكنيست، وتنفيذ مخططات ومشاريع، لمحاصرة الوجود العربي الفلسطيني.
حكومة نتنياهو الثالثة تقع تحت سيطرة المستوطنين، الذين أخذوا بأيديهم كل مراكز القوى الاقتصادية، التي ستوسع المشروع الاستيطاني، فهم يتحكمون بوزارتي التجارة والصناعة والإسكان ولجنة المالية البرلمانية، ولديهم وزير دفاع مريح، هو الليكودي موشيه يعلون، الذي يتمتع بكامل الصلاحيات على الأرض والبناء في الضفة الغربية، بوصفها مناطق محتلة، ومن خلال الهيمنة على هذه المواقع، سيتم تمرير الأموال للمستوطنات بلا حسيب أو رقيب، كما أن لممثلي المستوطنين، تأثيراً بالغاً على مسار التسوية السلمية التي يرفضونها، وهم يعتبرون أن مستوطناتهم تقوم على أرض إسرائيل، ولن يكون لاستلام تسيبي ليفني لملف التفاوض مع الفلسطينيين، أي تأثير إيجابي على ملف التسوية، فهي تتمتع بأضعف موقع في هذه الحكومة المتطرفة، ولن تكون قادرة على اتخاذ أي قرار دون الرجوع لنتنياهو، المحكوم للأكثر منه تطرفاً، بسبب تركيبة حكومته.
الحكومة الإسرائيلية برؤوسها الثلاثة: نتانياهو – ليبرمان – يعالون، لاتبشر بانفراجة على جبهة العلاقات مع الفلسطينيين، وإذا كان وزير الحرب الجديد يؤمن بأن "حل الدولتين"، هو ما يجب أن تصبو إليه إسرائيل في نهاية المفاوضات، فإنه يرى أن هذا الحل ليس قابلاً للتطبيق الآن، بداعي أن العالم العربي يشتعل، وأنه لا يمكن جسر الهوة بين مطالب كل من إسرائيل والفلسطينيين، كما أن ثقتة بالقيادة الفلسطينية معدومة، وهو يتهمهم بالخداع، ويرى أن الرئيس محمود عباس ليس معنياً حقاً بالتوصل إلى حل، إنما يسعى إلى عزل إسرائيل دولياً، لإرغامها على قبول دولة فلسطينية في حدود العام 1967
المهم أن وجود حكومة صغيرة وغير مستقرة، يجعلها أكثر خطراً، وقد تلجأ إلى سياسات أكثر عدوانية، وإلى شن حملات عسكرية لضمان توحيد الصف السياسي، وللحصول على مزيد من دعم الشارع للحكومة، وحتى بغير ذلك فإنها ليست أقل تطرفاً من سابقاتها، مع ليكود أكثر يمينية، وحزب المستوطنين "البيت اليهودي" وهو اليوم أقوى عددياً وأشد تطرفاً، وأما حزب لبيد فهدفه المعلن هو تهميش القضية الفلسطينية داخليا وخارجيا.
وبعد، مع هكذا حكومة، أين الأمل بتسوية سلمية؟ حتى وإن تشبث به كثيرون.