TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > يا ألف ليلة، يا.

يا ألف ليلة، يا.

نشر في: 17 مارس, 2013: 09:01 م

في المؤسسات الكبيرة، - والدولة مؤسسة كبرى – لا يمكن لرئيس المؤسسة ولا لمجلس إدارتها، الموافقة  أو إجازة أي مشروع مقترح ما لم يرفق بأولويات وحيثيات ونتائج ورؤى ما يسمى بدراسة الجدوى.

دراسة الجدوى، تبين، بأرقام مشفوعة بحقائق – من دون تمويه أو تهويل أو تهوين – مدى إمكانية نجاح المشروع من عدمه. تبيان مكاسبه أو خسائره، مستندة على استبيانات مسبقة، أو استنتاج منطقي عقلاني، أو استطلاع تسويقي  بياني:  ما هو الكسب المادي الآني من المشروع؟ما هي المكاسب اللاحقة؟ ما هي المكتسبات المعنوية القصيرة أو الطويلة الأجل... إلخ.

مناسبة هذي المقدمة، ما نضحت به وسائل الإعلام من التهيؤ  لاستقبال وفود وضيوف خمس عشرة دولة للاحتفاء ببغداد عاصمة للثقافة العربية.!..

أغامر بالقول: ما من عراقي أصيل-- يجري في عروقه نسغ  عشق العراق والخوف عليه --، لا تسعده ولا تبهجه قرارات اختيار بغداد عاصمة للثقافة العربية لعام  2013

ولكن أي عاصمة للثقافة، والثقافة الرصينة والعلوم الحديثة مغيبة وغائبة في عراق اليوم، محجوبة إرادة بنيه  بألف برقع وبرقع، غارقة  ثقافته  تحت وابل من الغيبيات  والمعميات والأضاليل.

أي عاصمة للثقافة؟ والمدارس والجامعات ودور العلم والفقه (حواضن المعرفة والوعي والإبداع) متصدعة الأبنية، هامشية التفكير، عليلة الخدمات مشوهة المناهج.

أي ثقافة في بلد تعاني مستشفياته من نقص في المعدات الحديثة والكادر الاختصاصي العالي التأهيل؟ أي ثقافة في بلد وعاصمة بلد تكاد تخلو شوارعه من وسائل للنقل العام، عاصمة تستوطن شوارعها الحفر والمطبات والحواجز؟ أرصفتها مهدمة مزروعة ببسطيات وباعة العشوائيات؟  أي ثقافة في عاصمة مجاري مياهها الثقيلة طافحة  طوال فصول السنة، وتلال القمامة فيها ملاذا لأطفال الفقراء يرتجون في ثنياتها المتفسخة بعضا من الرزق؟ أي ثقافة في عاصمة تطفو على ثروات هائلة يتقطع فيها الكهرباء بعدد ساعات اليوم، ويساوم على إعادته نفر من القطط السمان أصحاب المولدات الأهلية؟

أي ثقافة في عاصمة، الماء في صنابيرها مج وعسر وشحيح؟

فلماذا ومن أجل من تستضيف بغداد وفود وزوار؟ لتطلعهم على ماذا؟ وماذا ستتضمن رقاع الدعوة؟: أهلا بكم في بلد الفساد والمفخخات والتفجيرات والذعر من المجهول؟  وأين سيقضي الضيوف أيام تواجدهم في العاصمة؟ لزيارة برلمان شبه خال من الأعضاء؟ لتفقد مصانع ومعامل مغلقة بالضبة والمفتاح؟ لارتياد المزارع الموحشة التي شح فيها الماء وماتت المزروعات؟ لرؤية المدارس المتصدعة يفترش طلابها الحصران و الرحلات المتآكلة؟ أو.. ستنقضي أيام الاحتفال بين دعوة للغذاء في منتجع هذا المسؤول أو وليمة للعشاء في قصر ذاك؟ وقضاء سويعات السهرة في حضرة مطربة من الدرجة الثالثة تعربد وتتلوى وتشكو ظلم الحبيب؟ أما من حكيم طالب بدراسة جدوى قبل الارتهان للمناسبة؟

والله، والله، من ظلت في جبينه قطرة حياء ورمق من كبرياء، سيتوارى خجلا أمام ضيوف دعوناهم  ليتفرجوا على خيبات (عصية الدمع) بغداد  كعاصمة للثقافة العربية في القرن الواحد والعشرين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram