TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الإنتماء الى الحقد

الإنتماء الى الحقد

نشر في: 18 مارس, 2013: 09:01 م

التاريخ، على نحو أو آخر، هو كل شيء. لن تعرف القانون دون دراسة تاريخه، ولا الفيزياء، ولا الدين، ولا الفلسفة، ولا أي شيء آخر. كل عمل يحتاج، بدرجة أو أخرى، الى التاريخ. ولكن التاريخ سلاح ذو حدين. فهو يمكن أن يحررك ويمكن أن يستعبدك. يتوقف الأمر على نوع التعامل مع التاريخ. هل تنتمي اليه أم تستثمره في تطوير معرفة، أو تحسين عمل، أو في طلب متعة؟

الانتماء الى التاريخ يجعلك جزءا منه، مفصولا عن ثمرات الحاضر والمستقبل. فأنت هناك، مثلك الأعلى من هناك، وقيمك وأهواؤك وعوالمك مستلة من هناك. ولعل أخطر ما في هذا الانتماء الى الماضي والانسلاخ عن الحاضر، هو الحقد. فمن عادة الناس في التاريخ القديم والوسيط أن يحقدوا بكرم، ويكرهوا بسعة. فكل عبد حاقد على سيده وكل سيد يزري بعبده. كما ان كل مختلف في اللون أو العقيدة أو الرأي أو حتى اللغة والقبيلة يمكن أن يكون موضوع كراهية أو زراية.

كان ذلك أمرا عاديا ومشروعا في الأزمنة القديمة. والانتماء الى التاريخ من هذه الوجهة هو انتماء الى الحقد. ولعل المثل "العصري" المتطرف على هذا النوع من الانتماء منظمة "القاعدة". فالتاريخ لديها مسألة ايمان، أو عقيدة متصلبة، وليس مسألة معرفة أو عمل أو متعة. ولذلك فإنها في المقام الأول والأخير منظمة كراهية. وكراهية شاملة.

مع هذا النوع من المنظمات والاتجاهات الفكرية تصح الفرضية القائلة بأن الأمة السعيدة هي الأمة التي لا تملك تاريخا. تخيلوا فقط لو ان الأمة العربية خالية من التاريخ هل كان يمكن لـ "القاعدة" وأمثالها أن تولد؟

الولايات المتحدة أسرع بلدان العالم الى التقدم لأنها لا تملك تاريخا. والولايات المتحدة، كما قال ديغول مرة، "هي الأمة الوحيدة التي صارت الأقوى في العالم دون أن تسلك الطريق العسكري". وربما لنفس السبب، أي لأنها بلا تاريخ. لكن انظروا ماذا حل بها بعد أن سلكت الطريق العسكري، وهو طريق حقد مهما عُبِّد بالنوايا الحسنة.

إن أحد اكبر الأسئلة التي تطرحها أميركا على نفسها اليوم هو "لماذا يكرهوننا؟". فهي الدولة الأوفر حظا في نسبة الكراهية الموجهة لها من العالم، بعد أن كانت حتى نهاية الحرب العالمية الأولى الدولة الأوفر حظا بالحب في العالم. وأسباب المفارقة عديدة بينها سلوكها الطريق العسكري، وأهم من ذلك تحولها الى سلطة دولية. والقاعدة هي تعذر وجود سلطة محبوبة، فالسلطة لا يجب أن تكون موضوع حب أو كره، بل موضوع مساءلة ومحاسبة دائمة حتى لا تأمن العقاب فتسيء في كل شيء.

والتاريخ كالسلطة يجب ايضا أن لا يكون موضوع حب أو كره، بل موضوع فهم أو موضوع متعة. انه مكتبة أو متحف. فماذا يجري لنا اذا بعث هتلر او الديناصور الى الحياة عزيزا مكرما؟ الله يستر. أما اذا ظلوا في مكانهم لابثين فما أنفعهم. انهم قصص. ويغدون بذلك حاجة لدى كل الناس، لأن الناس لا تستغني عن القصص. وانهم معارف وتجارب، وحياة البشر لا تتقدم خطوة دون معارف وتجارب.

والتاريخ لا يتحول الى قصص ومعارف وتجارب الا عند البشرية التي تحكم التاريخ. أما البشرية المحكومة بالتاريخ فلا تستطيع أن تشتري منه متعة أو حكمة، لأنها تعيش في قيمه ونزاعاته وصراعاته، وفيها يصح القول بأن أسعد الأمم أفقرها تاريخا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ارتفاع حصيلة حادث تصادم طريق الناصرية-السماوة إلى 13 ضحية

أنشيلوتي يتحدث عن مبابي.. "لديه فرصة" مثل رونالدو

السوداني يبحث تطورات الأوضاع في سوريا خلال اتصال هاتفي

إطلاق سراح 500 مشمول بقانون العفو العام

القبض على 7 اشخاص اطلقوا النار في الهواء ببغداد

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سافرات العبادي

الحرب الباردة بنسختها الثانية

العمود الثامن: السعادة على توقيت الإمارات

قناطر: متاحفنا بلا زائرين. . لماذا؟

منطق القوة وقوة المنطق.. أين يتجه صراع طهران وواشنطن؟

العمود الثامن: السعادة على توقيت الإمارات

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجزعن مواجهة واقع يسير بنا إلى...
علي حسين

كلاكيت: عن (السينمائي) وعبد العليم البناء

 علاء المفرجي علاقتي مع (السينمائي) لها حكاية، تبدأ من اختياري لها لكتابة عمودي (كلاكيت) منذ عددها الأول، ولا تنتهي بعددها الأخير. ولئن (السينمائي) تحتفل بعشريتها الأولى، كان لزاما عليّ أن أحتفل معها بهذا...
علاء المفرجي

تركيا تواجه التحول الجيوسياسي الناجم عن عودة دونالد ترامب إلى السلطة

جان ماركو ترجمة: عدوية الهلالي في الأسابيع الأخيرة، ومع ظهور الديناميكيات الجديدة للجغرافيا السياسية لترامب، تركز الاهتمام إلى حد كبير على اللاعبين الرئيسيين في الساحة الدولية، بدلاً من التركيز على دول الطرف الثالث التي...
جان ماركو

منطق القوة وقوة المنطق.. أين يتجه صراع طهران وواشنطن؟

محمد علي الحيدري يبدو أن ملف التفاوض بين إيران والولايات المتحدة دخل مرحلة جديدة من التعقيد، ليس بسبب طبيعة الخلافات القديمة، بل نتيجة تبدّل ميزان القوى الإقليمي والدولي، الذي بات يفرض مقاربة مختلفة عن...
محمد علي الحيدري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram