TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ما يقوله وزير العدل "عاتي" جداً

ما يقوله وزير العدل "عاتي" جداً

نشر في: 18 مارس, 2013: 09:01 م

منتهى الاستخفاف بالعقول، والاستهانة بحياة الناس ومصائرهم، أن يخرج علينا وزير العدل ليقول إن ما حدث في وزارة العدل كان بسبب قيام الوزارة بالتشويش على اتصالات السجناء، نوع جديد من الأخبار الطريفة والمسلية وإن كان مغلفا بكلمات عن الصمود وتحدي الإرهاب. 

لا أدري ماذا يقصد الوزير بالتشويش، وكيف تمكن السجناء من امتلاك أجهزة اتصالات متطورة يديرون من خلالها عملياتهم من داخل السجون؟، والسؤال الأهم لماذا تستخدم الوزارة التشويش وكان بإمكانها منذ البداية منع دخول هذه الأجهزة؟ لكن يبدو أن اللافت من هذه "المناحة" التي اطلقها امس السيد حسن الشمري، أن تشويش وزير العدل  لم ينجح في منع الإرهابيين من  تنفيذ عملياتهم، لانه تشويش موجود اصلاً في  عقول مسؤولينا الذين يتصورون أنهم ينقلون كلاما يأخذه الناس على محمل الجد، ويتوهمون أن مصير هذا البلد معلق على ما يدور في المؤتمرات الصحفية التي تعقدها الحكومة. 

وأحسب أن ما قاله وزير العدل لا يختلف في شيء عمّا يقوله أشقاؤه من المسؤولين، فهي مجرد جمل مزوّقة ومرتبة تضاف إلى أرشيف كوميديا الحكومة، ذلك أن فقرات العرض الذي قدمه لنا السيد الشمري أمس ربما يكون موجها لجمهور من جزر الواق واق.. فالسيد الوزير يقول إن سبب المأساة التي حدثت في وزارته تقف وراءها "بيكيسيات" القاعدة، التي تفوقت على بنادق قواتنا الأمنية.. ونسي السيد الوزير أن حكومته انفقت 90 مليار دولار من اموال هذا الشعب المغلوب على امره في تدريب وتسليح  قواتنا الامنية التي وجدناها تحفر الخنادق امام اربيل والانبار، وينشغل قادتها الامنيون باطلاق تصريحات كوميدية تريد ان تقنع البسطاء بان العالم كله متورط في مؤامرة امبريالية صهيونية لإسقاط النموذج الثوري في العراق.

في الوقت الذي يأمر به القائد العام قواته بالزحف على العديد من مدن العراق، نجد وزارة العدل تذبح من الوريد الى الوريد.. وسط تهريج حكومي، وتصريحات مخجلة.. موظفون أبرياء ذنبهم أنهم صدقوا ان المعركة الأمنية حسمت، وان السيد المالكي اكتشف من هم الأعداء وسوف يقضي عليهم، فإذا بالمفخخات والمسلحون يتربصون بهم وفي وضح النهار وبسمع ومرأى من الأجهزة الأمنية.

وبعيدا عن كوميديا التشويش التي أتحفنا بها السيد الوزير، فإن حديثه أمس كشف شيئا في غاية الغرابة، وهو أن حكومتنا تنفرد بأشياء يستحيل وجودها في أي مكان آخر في العالم.   

كنت أتمنى أن يجيبني السيد وزير العدل عن الطريقة التي شوّش فيها على السجون؟ عسى أن نستفيد من طريقته هذه في محاربة الإرهاب، وان يقول لنا: لماذا لم يخرج مسؤول حتى هذه اللحظة ليعتذر لاهالي الضحايا ويواسيهم؟

وانا استمع لتصريح الوزير تذكرت الضجة التي حدثت لفتاة عراقية ارادت ان تجرب حظها في الغناء، فاذا بها تواجه حملة ضارية، حيث رأى بعض المتحذلقين بأنها أساءت الى العراق، وأنها لا تمثل المرأة العراقية، وذهب البعض الآخر الى حد وصفها بالـ(فضيحة)، فضلا عن سيل من الشتائم وكلمات الاستهزاء والسخرية التي لم تجد أمامها الفتاة المسكينة سوى ان تقول لمنتقديها "عاتي" هذا أمر يحصل لكل إنسان.. ودعوني اسأل هؤلاء الذين هاجموا هذه الفتاة لماذا لم يقفوا الوقفة نفسها مع تصريح وزير العدل، فاذا كانت فتاة فشلت في تقديم نفسها للجمهور، فكيف بوزير فشل في حماية ارواح موظفيه، ومع هذا يقول لنا اننا صامدون وسنسحق الارهاب،  ويقسم لنا باغلظ الايمان ان وزارته محسودة لانها وزارة ناجحة وان الهجوم ربما يكون "حسد عيشة" من البعض الذين يريدون التشويش على الانجازات العظيمة التي قامت وتقوم بها وزارة العدل كل يوم. لا يهم ماذا سيقول، لكن الخوف، كل الخوف، من أن يستدير لمحاكمة الاعلام ومعاقبته على جريمة تقديم الحقائق للناس.

واعتقد أن تصريح وزير العدل يعد مرحلة متقدمة للغاية، وغير مسبوقة من التعري والانكشاف المجاني أمام الإرهابيين لأنه، ببساطة يعلن ويؤكد أن الملف الامني بيد القاعدة وليس بيد قواتنا "الباسلة" التي يريد لها البعض ان تخوض معارك المصير مع المتظاهرين، وقبل ان نقبل بنظرية السيد الشمري الأمنية التي تطلب منا ان نمثل على انفسنا وعلى العالم، ونقطب جبيننا مثل السيد الوزير، إمعانا في إظهار الجدية، بينما نحن في أعماقنا نهرج، ونضحك حتى نموت على أنفسنا من الضحك،  لان كل شي أصبح "عاتي" جداً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram