TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > البابا وأميركا اللاتينية اليسارية

البابا وأميركا اللاتينية اليسارية

نشر في: 19 مارس, 2013: 09:01 م

الآن وقد هدأت الزوبعة، وسكتت وسائل الإعلام، إن لم يحتل عناوينها موضوع آخر، لابد من البحث عن إجابة على السؤال الذي فرض نفسه منذ اللحظة الأولى عند الإعلان عن اسم البابا الجديد، إن لم يكن فرض نفسه منذ اليوم الأول عند سماع خبر استقالة البابا الألماني جوزيف راتزينغير كما هو في هوية الأحوال الشخصية، أو البابا بينيدكت السادس عشر، كما اختار تسميته أو اختارها الفاتيكان له. في حالة الاستقالة، أسهب المحللون والصحفيون في شرح أسبابها الموجبة، قيل، أن العذر الذي قدمه البابا السابق لقراره بالاستقالة غير مقنع تماماً، فالعمر لم يكن أبداً عائقاً بالبقاء على كرسي البابوية، فأن يصبح المرء بابا، يعني أن الله أو السيد المسيح يقرر مدة جلوسه على الكرسي، والأمر يشبه الزواج الكاثوليكي: إلى الأبد، فقط الموت هو الذي ينهي عليه، (أنظروا إلى زعمائنا في كل الدول العربية الذين تزوجوا السلطة على الطريقة الكاثوليكية: ألم يفصلهم عنها الموت فقط؟). الفضائح الجنسية، ماضيه النازي، والفساد المالي، كل تلك فضائح قادت إلى استقالة البابا السابق، فرجل في مثل سنه لا يملك ديناميكية التحكم في السيطرة على الأمور داخل البيت الكنسي. لكن الدولة الصغيرة، التي لا تكبرها إلا "مملكة" قطر، لا تستطيع السماح لكي تفلت الأمور من يديها. فإذا تحكمت قوتان عظميان في مصير العالم، أميركا والغرب من جهة وروسيا من جهة أخرى، إن لا نضيف لهما قوة ثالثة صاعدة، الصين، فإن تأثير الفاتيكان على السياسة العالمية كان دائماً واضحاً للعيان، وصب دائماً في مصلحة طرف واحد: أميركا والغرب، بكلمة أخرى في مصلحة الرأسمالية العالمية، لا يهم الاتجاه الذي سارت إليه الرأسمالية هذه، سواء في ممارستها ليبرالية جديدة واقتصاد حر منفلت ساحق للفقراء وأصحاب الدخل المحدود، أو سواء في لجوئها لوسائل العنف ضد معارضيها. الكنيسة الكاثوليكية بسلطة دولة الفاتيكان كانت حاضرة دائماً إلى جانب المُستَغلين. المُستغلون يحصلون على البركات فقط. فبدل أن يدعو البابا في أفريقيا للعدالة وإلى نظام يضمن في الأقل أبسط شروط العيش والكرامة للبشر هناك، رأيناه يحذر الناس من عدم استعمال الواقي، بل وأن استعماله  لن يجنبهم مرض الأيدز كما يظنون، بل سيجعله يتكاثر عندهم. كيف؟ لا يقول لنا البابا ذلك. لكن كل ذلك معروف. الفاتيكان مثله مثل أية دولة أخرى، له أيديولوجيته وأهدافه ومصالحه الاقتصادية أيضاً، وهو كدولة يعرف، ما يعني تهديد المصالح تلك. الإيمان هو سلاح الفاتيكان الفتاك. وخاصة في الفترات الحاسمة من حياة الكنيسة.

استقالة البابا التي هي سابقة تاريخية ليس لها مثيل إلا قبل أكثر من قرن، ثم انتخاب بابا جديد، لم يُحسب حسابه هما دليل على ذلك. خمس محاولات فشلت في انتخاب بابا جديد، حتى أصبح أمراً مفروغاً منه، أن تذهب الأصوات كلها إلى الأرجنتيني، خورخه ماريو بيرغوليو. مباشرة بعد ذلك بدأ الحديث، عن الاسم الذي اختاره، فرانسيسكو عزيزي، "قس الفقراء"، لكن في الوقت نفسه تحدث بعضهم عن علاقة البابا الجديد بجنرالات الأرجنتين الذين حكموا الأرجنتين سنوات السبعينات بالحديد والنار، حتى اليوم تقف أمهات ساحة الثاني من مايس كل يوم خميس في العاصمة الأرجنتينية مطالبات بالكشف عن مصير أبنائهن وبناتهن من المفقودين والمفقودات، من ضحايا الديكتاتورية. البابا الجديد كان حليفاً للعسكر عندما كان رئيس قساوسة في الأرجنتين، كما فضح الصحفي الأرجنتيني هوراثيو فيربيتسكي. بالنسبة له، بيرغولوليو يلعب دوراً مزدوجاً، بساطته وقربه من الفقراء، هما ماركيتيغ وحسب.

إذن: المفاجأة "السارة"، هي مفاجأة محسوبة مقدماً من قبل الفاتيكان. ومن يتابع سياسة الفاتيكان، لابد أن يفكر، أن القس الجديد هذا سيكون بالنسبة لليساريين في أميركا اللاتينية، كما كان الباب البولندي فويتيلا لبولندا.  منذ نهاية الحرب العالمية الثانية يتبع الفاتيكان سياسة معروفة. ترشيح بابوات – أحياناً بتمويل من السي بي أي كما في حالة البابا بيوس الثاني عشر -، عليهم تنفيذ واجب معين. بيوس الثاني عشر كان واجبه منع فوز الشيوعيين للانتخابات في إيطاليا، يوهانس باول الثاني، كان واجبه اختراق المعسكر الشيوعي. كل هذا موثق. كما يبدو، أن الدور جاء على أميركا اللاتينية اليوم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram