هذه حلقة جديدة من تراثيات معاصرة التي تضم مختارات نثرية من كتاب (البصائر والذخائر) لأبي حيان التوحيدي. نأمل أن تكون حصيلة هذا الاسبوع طيبة، رغم خلوها من طرائفه المعهودة، ذلك أن الجد احتكر المقام في معظم القسم الأخير من الجزء السابع الذي انتهينا منه، ومطلع الجزء الثامن الذي بدأنا معه. وأغلب الظن أن الرجل لن يبخل علينا بالطرائف في الحلقات المقبلة.
- قال بعض السلف: الأحمق إنْ تكلم فضحه حمقه، وإن سكت فضحه عِيُّه، وإن عمل أفسد، وإن ترك ضيع، لا يُغنيه علمه، ولا ينتفع بعلم غيره، ولا يستريح زاجره، تود أمه أنها ثكلته، وتتمنى امرأته أنها فقدته، يأخذ جليسه منه الوحشة، ويتمنى جاره منه الوحدة، إن كان اصغر أهل بيته عَنَّى منْ فوقه، وإن كان أكبرهم أفسد من دونه.
- عدا كلبٌ خلف غزال فقال له الغزال: إنك لا تلحقني، قال: لم؟ قال: لأني اعدو لنفسي وأنت تعدو لصاحبك.
- قلتُ لأبي النفيس الرياضي: كيف رأيتَ الدهر؟ قال: وهوبا لما سلب، سلوبا لما وهب، كالصبي اذا لعب.
- قال الواقدي: أبو حنيفة النعمان بن ثابت مولى تَيْم الله بن ثعلبة بن بكر بن وائل، قال له رجل من خيار بني تيم الله: ألستَ مولاي؟ قال أبو حنيفة: انا والله لك أشرفُ منك لي.
- ولد أبو حنيفة سنة ثمانين، ومات سنة خمسين ومائة، وعاش أبو حنيفة سبعين سنة، ومات ببغداد، وصلى عليه الحسن بن عُمارة.
- سئل فيلسوف: ما الكلفة؟ قال: طلبك ما لا يواتيك، ونظرك فيما لا يعنيك.
- قال وهب بن منبه الأبناوي الصنعاني، العالم بأساطير الأولين ولاسيما الاسرائيليات: كانت مريم عند زكريا، فلما نَبَا بطنها وحملتْ قال لها زكريا: هل يكون الشجر من غير مطر؟ وهل يكون الزرع من غير بذر؟ وهل يكون الولد من غير ذكر؟ قالت: نعم، الله خلق الجنة بغير مطر، وخلق البذر قبل أن يخلق الزرع، وخلق آدم من غير ذكر.
- قال أعرابي في خطبته: الحذرَ الحذرَ، فوالله لقد سَتَرَ، حتى كأنه غفَرَ.
- وقَّع إبن الزيات لعامل له: توهمتك شهما كافيا، فوجدتك رسما عافياً، لا محامياً ولا وافياً.
- جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: صف لي الجنة؟ فقال: فيها فاكهة ونخل ورمان، وجاء آخر فقال له بمثل قوله، فقال: سِدْرٌ مَخْضودٌ، وطلح منضود، وفُرُشٌ مرفوعة، ونَمارقُ مصفوفة، وجاء آخر فسأله عن ذلك فقال: فيها ما لا عين رأتْ ولا اذن سمعتْ ولا خطر على قلب بشر. فقالت عائشة: ما هذا يا رسول الله؟ قال: إني أُمرتُ أنْ أكلم الناس على قدر عقولهم.
- وقال صلى الله عليه وسلم: الموت تحفة المؤمن.
- سئل صوفيٌّ: أين الحق؟ قال: لو كانت له أينٌ لم تثبت له عين.
- قال رجل لأبي الهذيل: ما الدليل على حّدّثِ العالَم؟ قال: الحركة والسكون، فقال السائل: الحركة والسكون من العالم، فكأنك قلت الدليل على حَدَثِ العالَمِ هو العالَمُ، دُلَّ على حدث العالم بغيرِ العالم، فقال أبو الهذيل: إنْ جئتني بسؤال من غير العالَم جئتك بجواب من غيرِ العالَم.
- عثر رجل على امرأته وهي على فاحشة فطلقها، فاجتمع أهلها اليه وقالوا: عَرِّفنا ما رأيتَ من زوجتك، فما رأيتَ فيها؟ قال: سبحان الله، امرأة كان زِمَامُها بيدي، وكنتُ بعلا لها لم أُبح بما كان منها، فلما بانت مني وصارت غريبةً أفضحها؟! لا يكون ذلك ابدا.
- قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في دعائه: اللهمَّ لا تحوجني الى أحد من خلقك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهلا يا علي، إن الله جل ثناؤه خلق الخلق ولم يُغنِ بعضَهُم عن بعض.