عاشت العاصمة الأردنية حالةً من الذهول والغضب، بعد مطالعة تصريحات نسبت إلى الملك عبد الله الثاني، ونشرت مقتطفات منها صحيفة "'نيويورك تايمز"، من مقابلة مع مجلة "أتلانتك" الأميركية، وليس سراً أن بعض الساسة والإعلاميين سمعوا آراء صريحة من الملك في الاجتماعات المغلقة، لكن أحداً لم يتوقع أن يصرح بها علناً، ومن هنا كانت الصدمة من التصريحات المثيرة، التي يغضب بعضها أطرافاً، بينما تحظى بالرضا والقبول عند طرف آخر، وقد نظم عدد من الناشطين مسيرة احتجاج أمام الديوان الملكي في عمّان، رفعوا فيها هتافات تجاوزت كل السقوف، متجاهلين بياناً من الديوان الملكي، أعلن أن الصحيفة أخرجت حديث الملك عن سياقه، وأصدرت جماعة الإخوان بياناً استهجنت فيه توضيح الديوان، لأنه لم يقدم تبريراً أو تفسيراً شافياً أو مقنعاً، لما ورد في المقابلة.
تصريحات الملك، إن صحّت، هي فتح للنار في كل الاتجاهات، فهي تصيب العشائر، حين وصف بعض قياداتها بالديناصورات، وجهاز المخابرات الذي يحبط التوجه لمنح دور أكبر للمكون الفلسطيني في إدارة الدولة، والإخوان المسلمين الساعين لإزاحته عن عرشه، وزعماء مصر وتركيا وسوريا، والسياسة الأميركية، ولم توفر أفراد العائلة المالكة، غير المدركين أن عصر الملكيات بدأ ينقضي، ولا يفهمون الدروس المستفادة من الربيع العربي، فقط كانت تصريحات العاهل الأردني إيجابية تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قال إنه وثق علاقته به، وأنه على اتصال دائم معه.
يرى بعضهم أن توقيت نشر المقابلة، التي أجريت قبل شهور، وبالضبط قبل يومين من زيارة الرئيس الأميركي لعمان، مقصود لجهة توجيه رسالة للخارج، مفادها أن العاهل الأردني قرر التحول إلى ملكية دستورية، وبلد عصري وحضاري، ملمحاً أن خصوم هذا التحول هم الإخوان المسلمين، والتيار المحافظ، وبعض أفراد العائلة المالكة، أما داخلياً فقد كان المقصود الكشف عن انزعاج الملك من صالونات عمان السياسية، التي يعرف أنها تنتج الشائعات حوله وحول عائلته، من قبيل أن ابنه أصم وابنته عمياء، وأنه قتل ودفن مضيفة طيران، وأنه يلعب القمار في الكازينوهات، وأنه رجل غير مؤمن.
ردود الفعل الأولى استحضرت إلى الذهن المثل الشعبي، "كحيله ولقت خيّال"، ذلك أن الذين اعتادوا مهاجمة العشائرية، من منظور سياسي لا اجتماعي، انبروا للدفاع عنها، والتصدّي لأي انتقاد يوجه لبعض قيادييها، الذين يحتمون بها للوصول إلى السلطة، ومن حقنا السؤال اليوم، وبغض النظر عن التصريحات المنسوبة للملك، من منّا لا يرفض سلبيات العشائرية وتغولها على الحياة السياسية، أو لا ينتقد سلوك وممارسات بعض أفراد العائلة المالكة، ومن هو الأردني الذي لم يتمنى تطوير النظام الملكي في الأردن ليحاكي الملكية البريطانية، وأليس بين الأردنيين كثيرون، يخشون وصول المتطرفين الإسلاميين، أو حتّى الإخوان المسلمين الى الحكم.
رد الفعل الرسمي لم يكن مناسباً لحديث الملك، الذي عبّر عن ما يجول في خاطره، من دون أن يحوّل ذلك إلى سياسة رسمية للدولة، وهي خواطر تجول في أذهان الكثيرين منا، ويعبرون عنها بعبارات أشد قسوة مما نقل عن الملك، وكان الأجدى لو انبرت أجهزة إعلامنا الرسمية للدفاع عن رؤى الملك، بدل لغو الكلام الذي حاولت من خلاله نفيها.