اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سؤال 2003

سؤال 2003

نشر في: 22 مارس, 2013: 09:01 م

لعل تغيير 2003 سيبقى سؤال الأسئلة بالنسبة الى العراقيين، كما سيبقى سؤالا جديا بالنسبة الى السياسة الدولية: هل هو جيد أم سيء؟ هل قاد الى الأفضل أم أدى الى الأسوأ؟
ان الركون الى المبادىء يمكن أن يجعل الاجابات أسهل. وبموجب مثل هذه المبادىء فإن الغزو الأميركي للعراق عديم الشرعية لأنه لم يحظ بموافقة الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، الذين يمثلون أعلى سلطات الشرعية الدولية، فثلاثة من الأعضاء الدائمين عارضوه.
اذا اعتقدت بمبدأ اللاعنف، أو رفضت مبدأ الحل العسكري لأزمات السياسة أيا كانت، يمكنك أن تتخذ موقفا سلبيا من الغزو الأميركي للعراق. إذا اعتبرت "الثورة" عملا مرفوضا في السياسة، وآمنت بدلا منها بمبدأ التطور السلمي التدريجي، أيضا يمكنك ادانة حرب 2003 ، لأنها كانت نوعا من ثورة، وإنْ جاءت من الخارج، فهي أيضا أدت الى "تغيير جذري".
إذا اعتمدت مقياس الضرورة بالنسبة لأميركا في تشريع الحرب، كما فعل أوباما، فإن غزوة 2003 تفقد مبررها أو شرعيتها. فقد اعتبرها "حرب اختيار"، تفريقا لها عن حرب افغانستان التي اعتبرها "حرب اضطرار" ردا على تفجيرات 11 سبتمبر.
النظر اليها انطلاقا من مبدأ الفائدة، أو من زاوية الخسائر والأرباح، يمكن أن يُسهِّل على الأميركان أيضا اتخاذ موقف الإدانة. فقد كبدت الولايات المتحدة 4486 قتيلا وأكثر من 130 ألف جريح، وتريليون دولار، وخسائر معنوية تسبب بها خرق واشنطن للقانون الدولي، وأخطاء سياستها وتجاوزات جنودها في العراق، ما أدى الى تآكل خطير في هيبة "الدولة الأعظم"، وكل ذلك من دون عوائد سياسية أو اقتصادية تذكر لأميركا في العراق. وأسهل من جميع هذه المبادىء والمقاييس اختزال الغزو حصريا بفكرة الاحتلال. عندها سيكون الرفض قاطعا.
والخلاصة هي أن الحكم على الوقائع انطلاقا من مقاييس المبادىء سهل، منطقي ومشروع، مع إنه قد يقود الى النظر بعين الأبيض والأسود الى السلوك البشري بما فيه السياسة. فكل هذه المقاييس يمكن أن تكون موضع جدل أو حتى رفض بالنسبة الى كثيرين يعتبرون الخلاص من صدام أو كل دكتاتورية بأي طريقة خيرا كاملا.
لا شك إن اكثر الوقائع ايلاما في السنوات العشر من عمر التغيير في العراق هو عدد الضحايا الهائل الذي تراوح بين 111632 و 122036 ، وأضعاف ذلك من الجرحى والمصابين، مع استمرار النزيف الناتج عن العمليات الإرهابية. أما ما دون ذلك، وهو مهم وخطير، فيمكن القول أنه يهون. فكل ما دون الموت يهون، كما إن كل ما دون اليأس يهون.
واليأس كان هو نوع الحكم المفروض على الشعب العراقي. نعم كان اليأس هو النظام الحاكم. يأس من الذات ويأس من العالم. يأس من الدكتاتورية وآخر من الحصار الدولي. وفي ظل ذلك الوضع ارتفعت نسبة الفقر الى 75 % كما صعدت نسبة فقدان القدرة على الاحتجاج الى 100 %. وليس هناك ما هو أشق على البشر من اقتران الفقر بالذل. فهذا هو البؤس الانساني في صورة الكمال.
بعد عشر سنوات على نهاية ذلك الكابوس تراجعت نسبة الفقر الى 23 % كما أصبح الاحتجاج ممكنا بنسبة ما. صحيح ان البنى الأساسية لقوى الشعب لازالت بين منهارة وضعيفة، كما كان الأمر قبل التغيير، ولكن تنامي قدرة الاحتجاج، أو اكتساب وسائل حرية التعبير دينامية ومشروعية، يضع حدا فاصلا بين عهدين، بين جمهورية الصمت وبين جمهورية الكلام. فهل يصنع ذلك فرقا لمصلحة الغزو الأميركي؟
إن سؤال 2003 أوسع من الإجابة بنتيجة أو اثنتين وإن مثلتا خلاصا من أبشع دكتاتورية ورفعا في منسوب الكرامة العراقية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. كاطع جواد

    لدكتاتورية شيء بشع وكريه لذى يعتبر الخلاص مه شيءجيل بالمقايس التقلديةلكن تبقى المفاهيم الثقافية التي تربى عليها الانسان العراقي من مقته للاحتلال حتى وان ازاحت عنه دكتاتوريةليس لها مثيل الا بالاساطير والحكايات القديمة هذا اولا والشيء لاخر التحول الدراماتيك

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram