منذ ايام تندلع رحى حرب طاحنة في الصحف والفضائيات والمواقع الالكترونية وفيسبوك وتويتر، وكلها تطرح سؤالا واحدا: ماذا بعد عشر سنوات من الحرب الامريكية على العراق ؟
وأنا اقرأ تحليلات لكتاب من مختلف بقاع العالم بينهم عرب سألت نفسي سؤالا ترى متى نستطيع نحن العراقيين ان نقدم تحليلا علميا لما جرى خلال العشر سنوات الماضية ؟ .. ومتى يمكننا مواجهة الحاضر دون الانشغال بالماضي وتقليب دفاتر تثير الاسى والشجن ؟ .. طبعا لا احد يمكن له ان يصادر حق اي كاتب او مثقف عربي في ان يقدم وجهة نظرة لما جرى ويجري في العراق .. ولكن ليس من حق احد ان يحول هذا الاستذكار إلى شتيمة لكل العراقيين وان يضع نفسه وصيا على شكل ونوع الحكم الذي يطمحون اليه، فمثل هذه الأفعال لن تساعد العراقيين في شيء ، ولن ترجع الروح الى عشر سنوات من أعمارهم ضاعت في ظل صراع سياسي على كعكة البلاد.
لكن ما مناسبة هذا الكلام؟
المناسبة أن الصحفي والاعلامي عماد الدين اديب كتب في زاويته اليومية في الشرق الاوسط قبل ايام مقالا تحت عنوان "سنة حلوة يا عراق" وزع فيه الاتهامات بالعمالة لكل من لا يعجبه من الشعب العراقي، وحاول ان يعطينا دروسا في فنون الوطنية ، واساليب الحفاظ على الامن من خلال اعتماد نظرية صدام حسين التي وحسب قوله لا يزال الناس تترحم عليها لانه لم يكن يسمح ان تطير ذبابة في الهواء دون تصريح امني ولانه لا ينبئك مثل خبير. انقل هذه العبارة التي جاءت في سياق المقال والتي يقول فيها السيد اديب ان "الشيعة في حالة انصياع لإيران".
يدرك كاتب المقال ومعه عدد غير قليل من المثقفين العرب إن العراقيين ذاقوا الظلم مضاعفا حين حاول الجميع تحميلهم وزر جرائم اخطاء الامريكان وخطايا الساسة ، ولكنهم عانوا اكثر من مرارة الصمت العربي حين نكل "القائد الضرورة " بالجميع من شيوعيين إلى قوميين إلى إسلاميين وسط تهليل عربي من المحيط الى الخليج يهتف باسم حارس البوابة الشرقية.
وأسأل السيد اديب قبل ان يقول لي جملته الشهيرة "بهدوء" عن اي شيعة يتحدث، وهل قدم السياسيون الشيعة لجمهورهم خدمات وامتيازات حتى نقول ان السنة غاضبون لهذه التفرقة ، اليس العراقيون جميعا متضررين من فساد النخبة السياسية ومن انعدام الأمان ونقص الخدمات وأزمة السكن والبطالة والمحسوبية والرشوة والانتهازية وعصابات كاتم الصوت وسراق المال العام؟ هل حال كربلاء أفضل من حال صلاح الدين؟ أم حال الأنبار أسوأ من حال ميسان؟
هل ان الفاسدين واللصوص وسارقي الاموال ومثيري الفتنة الطائفية ينطبق عليهم توصيف "الحكومة التي يقودها الشيعة" ان خفافيش الديمقراطية من كل الطوائف، هم جميعا من افسد وسرق ونهب وقتل على الهوية، لا فرق بين سياسي طائفي سواء أكان شيعيا أم سنيا فالاثنان شركاء في تخريب الوطن وسرقة أحلام الناس.
تخبرنا كتب التاريخ ان اثنين من رجال الشيعة الكبار ومثقفيها كانوا أول من تصدى لمشروع ربط شيعة العراق بايران، وكان صوتهم واضحا من ان شيعة العراق جزء من الامة العربية وهما محمد رضا الشبيبي وعلي الشرقي، فالاول ارتبط بعلاقات مع معظم ادباء ومثقفي البلاد العربية، فيما الثاني كان صوته يعلو ضد الطائفية واساليبها الخبيثة، محذرا البعض ممن يتخذ من الطائفة وسيلة لقمع الاخرين ومصادرة حرياتهم، ولا ننسى كيف رفض اهالي الموصل خلال الاستفتاء الذي اجري اثناء الاحتلال البريطاني الانضمام إلى تركيا، ودافعوا عن عروبتهم وتمسكهم بتراب العراق, هذا عراق تربت عليه الأجيال، فلا شيعي ينتمي الى ايران ولا سني يقبل ان يكون جزءا من تركيا، اما اليوم فمشكلتنا ليست في الشعب وإنما في ساسة يتاجرون باسم الطائفة والدين، ويكسب البعض منها ثروات طائلة..بينما تعاني الأغلبية من الإهمال والفساد والرشوة.
اعتقد ان السيد عماد الدين اديب لا يزال يتصور انه يمكن ان يقدم دروسا للعراقيين مثلما حاول ان يقدمها للمصريين حين اخبرهم أن حسني مبارك رجل مسكين وان الحاشية القريبة منه هي التي تسببت بكل الفساد والخراب، وظل حتى قبل اندلاع ثورة 25 يناير يؤمن بأحقية جمال مبارك بان يرث عرش ابيه .. ولا ينسى المصريون كيف خرج عليهم ذات ليلة من عام 2005 باطول حوار مع حسني مبارك وبدلا من ان يقدم للناس حلولا لأزماتهم المعيشية والحياتية اخبرهم ان كل مشاكلهم ستحل فالرئيس رجل طيب وهو اقرب اليهم من حبل الوريد لأنه يحب "الملوخية".
السيد عماد الدين، اذا كان بناء عراق مدني مستقر ومعافى في ظل سياسيي الصدفة يبدو صعبا هذه الايام ، فان العراق الطائفي أشبه بالمستحيل.
لسنا شيعة طهران ولا سنة أنقرة
[post-views]
نشر في: 23 مارس, 2013: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
كاطع جواد
كلنا نمقت الطائفية لما تسببه من خراب ودمار ليس للبنى الاقتصادية فقط بل تتعدها لتحطيم الانسان من الداخل عندما تاطره باطر الطائفة والقبيلة وتعزله عن وطنه بل حتى عن العالم عندما يعتقد ان طائفته هي الصح والآخرين لا ويقوم هذا الانسان الطائفي اذا توفرت له الظر