عرض، وسط جماعة كنتُ بينهم، حكاية تعرضه للإهانة والإبتزاز من أقرباء له يحسدونه على ما أنعم الله عليه، وهو ليس بالكثير. يريدون أن يغنموا منه أشياء بالقوة. ذهب الى مركز الشرطة ورفع دعوى ضد الشخص الذي تولى القيام بدور البطولة في محاولة الإبتزاز. وبعد اسبوع صدر تبليغ ضد المشتكى عليه. لكن الاسم لم يكن مطابقا. عبد الله صار حسن. قال المشتكي أن هذا ليس هو الاسم الصحيح. ردت عليه الشرطة بتقديم طلب تصحيح. فعل وهو بالإنتظار.
الشاكي في نحو السبعين من عمره. يمشي على عصا. والكلمة لا تخرج من فمه إلا بالشافعات. الرجل تعبان. وسأل:
- هل تظنون انهم سيصححون الاسم في التبليغ؟
* وهل تشك بأنهم قد لا يفعلون؟
- نعم قد يكون عبد الله رشاهم. فغيروا الاسم الى حسن.
* ماشي يا تاج راسي. وأنت عندما ذهبت الى الشرطة هل استعنت برشوة أو واسطة؟
- لا هذه ولا تلك.
* جهلا أم ثقة؟
- والله ما أعرف.
- يابة انت وين عايش بالمريخ. لا أحد يذهب الى دائرة من دوائر الحكومة إلا ويجب ان يكون قد عرف شيئا ما عن الدائرة، من أجل اتخاذ الطريق الصائب لتمشية المعاملة. وقد يكون الرشوة أو الواسطة أو الاثنين. هذا في الدوائر العادية. فما بالك بالشرطة؟
وسأل الرجل التعبان:
- وهل هذه الطريقة مضمونة في حالتي.
*نعم. وتستطيع تعضيدها بعامل آخر هو العشيرة. الرجل قريبك وتستطيع أن تشكوه عند شيخ عشيرتك، خصوصا وإن هذا القريب شاب، وقد شتمك وشتم زوجتك، كما تقول، وبألفاظ نابية. ومثل هذه الشكوى تاكل عند الشيوخ، لأنهم يغضبون من تطاول الصغير على الكبير، ويغضبون أكثر اذا كان التطاول من رجل على امرأة.
- أي عندي قريب آدمي يقدر يوصلني للشيخ.
* جيد كلِّمه.
- سأحاول.
ثم تغير الحديث بين الجمع. ذهب الى موضوعات أخف وأريح. الرجل التعبان نفسه انفتحت نفسه قليلا بعد تغير الحديث. بدا وكأنه يريد أن يقلب صفحة، لأنه شعر ان المهمة فوق طاقته. معرفة ورشوة وواسطة وعشيرة، بينما الرجل بالكاد يستطيع المشي والكلام، وهو فوق ذلك "أبو بنات" لا ولد لديه يستطيع أن يشيل عنه جزءا من الحمل.
الشاكي موظف متقاعد كان قد خدم الدولة 40 عاما. عرف العز وذاق الهوان مثل سائر جيله. خلال دورة الأحاديث تم التطرق الى موضوع السباحة. وأدلى الرجل بدلوه في هذا الموضوع. قال انه كاد أن يغرق في أحد أيام شبابه. وتذكر انه لم يخف من الغرق وكاد أن يستسلم، لكن أحدهم تقدم اليه وأنقذه. وقال انه اكتشف من تلك الحادثة أنه لا يحب الحياة.
لكن لعله لم يتوصل الى هذا الاكتشاف فعلا في شبابه، وانما توصل اليه متأخرا، تحت ضغط الاهانة والابتزاز والشيخوخة وضعف الحيلة. وربما توصل اليه بعد روايته قصة الشرطة مع دعواه، من دون أن يبدر منا تعاطف معه يترتب عليه عرض مساعدة. وعندها ربما شعر بأن الحياة بلا تعاطف لا تُحَب ولا تستحق أن تعاش. هل آذيناه الى هذا الحد؟ وماذا حل بقلوبنا حتى تصير بكل هذا البرود؟
شكوى متقاعد
[post-views]
نشر في: 23 مارس, 2013: 09:01 م