هكذا في لحظة اختطاف وغيبوبة لاح لي بين الرسائل الإلكترونية التي أتسلمها إيميل من الحاج زاير مشفوعاً بصورة له، لا أعرف من التقطها أو رسمها، وكأن هذه الرسالة تجيب على سؤال روحي ممض لم أجد جوابه وأنا في أسوأ حال نفسية وروحية ووطنية.
ولأنني في أسوأ حال نفسية وروحية ووطنية أرجو المعذرة لأنني لا أقوى على شرح المفردات الحسجاوية التي يفهمها الحسجاويون العراقيون ويدركون مراميها ومقاصدها التي ضمنها الحاج زاير إيميله كما وصلني من ماضٍ سحيق ليشخص حاضراً عتيقاً، مفرط العتق والتكريس واستحالة التغيير لأن واقع الحال مقيم منذ قيام دولة العراق في عشرينات القرن المنصرم.
أعانني الحاج زاير قليلاً وأخذ بيدي مثل أبٍ حانٍ وأشار إلى صورتنا الراهنة وهي الصورة نفسها التي قال عنها في عشرينات القرن الماضي:
"ضيجة خلك مامش ونس/ دنيه وتفر فرّ الرحه/ وبالخلك مامش مستحه/ كالوا يبـيـعون اللّحه/ كل مية ألف لحيه بفلس".
إنه زمن اللحى المزيفة.. زمن الحاج زاير.. زمننا، إذ اللحية تستعير وقاراً ما قد يضفي على الوجه وقار الحمار.. هل رأيتم أكثر وقاراً من الحمار؟
ضيق الخلْق بلا ونيس والدنيا تدور كالرحى والناس لا تستحي فهم يبيعون لحاهم.. كل مئة ألف لحية بفلس.. هذا ما استطعت ترجمته لغير العراقيين.
حيوانات الحاج زاير لا تكتفي بوقار الحمار إنما تتعداه إلى الكلب، وهو في ثقافتنا العربية سبب نجاسة وحقارة بينما هو في ثقافة آخرين موضع محبة مثل طفل العائلة أو أكثر، والحاج زاير يورد الخيل أيضاً، في مفارقة لغياب الفروسية والبطولة والفخر:
"دار الملوك أظلمت عكب الضيا بسروج
وتميت اكت الدمع أعله الوجن بسروج
والخيل لمن تردّت واضلعت بســروج
والكدش أصبح لها عزم شديـد وباس
والزين دنّك على جف الزنيـم اوبا س
والشهم لوعاشر الأنـذال ما هو باس
من جلّة الخيل شدوا ع الجلاب سروج"
حكمة شاعر ورجاحة عقل نفتقدها في زمن العولمة لتستفزنا من بدايات القرن المنصرم وتطرح علينا سؤال الحداثة باللهجة الشعبية، المغرقة في شعبيتها، في قصائد هذا الشعر الفحل الذي لا يريد أن يتركنا سادرين بخوفنا وخنوعنا، نحن مدّعي الحريّة وطلابها، بل يهجو سياسيينا ومثقفينا ومحللينا الذين يصفعوننا على مدار الساعة بالكلام الغث وهم "يطلقون" الكلام "من حدر" حسب الحاج زاير:
"حكٍّ عليْ دوم ْ لأصبغْ بالحزن واحد
أبجي سبتها وجمعة واربعا واحد
هم صاب مثلي كبل ضيم الدهر واحد؟
والحضرتك جيت احث ارجايبي مِنحدر
دمعي شبه سيل لجل امتيمي منحدر
ما بين وادم طحت: كل الحجي منحدر
ما مش فرق بين حلكه وخاتمه واحد!".
ختم الحاج زاير إيمله الذي خطفني في لحظة بين اليقظة والنوم مثل تلك التي تحل في المتصوفة والعرافين، قال:
"ما تعلم ابهمّي شلون؟/ شيّبتْ واصفرّ اللونْ/ والناس كالت مجنونْ/ بعقلي اقنعتْ بس آنه".
.. ولكي لا يتركني شيخي رهين محابس وحيرة بدهر عبوس، أفادني بأبوذية أنقلها والعهدة عليه ولم أفعل سوى أن أحوّل هذا الإيميل إلى (المدى) (FORWARD) كي أخفف سوداوية الحال، حالنا الراهنة منذ أيام الحاج زاير حتى اليوم:
"طحنه بناس لا مذهب ولا دين
ومنهم لا تصح قرضه ولا دين
هم شفت البغل يولد ولادين
يحلبونه ويسوونه رثيّة؟
لا ما شفت.
إيميل من الحاج زاير
[post-views]
نشر في: 25 مارس, 2013: 09:01 م