ليس لسبب أخلاقي أو إنساني، اعتذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لنظيره التركي أردوغان، عن مقتل تسعة أتراك، كانوا على السفينة مرمره، في رحلة دعم للفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة، وليس سراً أن التراجع الاسرائيلي عن موقف عدم الاعتذار، جاء بعد تدخل مباشر وملح وضغط من الرئيس الأميركي، وتصادف أن نتنياهو كان ينتظر هذا الضغط، لإنجاح زيارة أوباما، في جانبها المتعلق بأحداث سوريا، وليؤكد صواب موقفه، من وجوب مواجهة الأخطار المحدقة بالدولة العبرية، مع إدراكه لاهمية ومركزية الدور التركي في ما يجري في سوريا، الآن وبعد سقوط نظام الاسد، وفقدان إيران وحزب الله اللبناني أهم حليف لهما في المنطقة، مع ضرورة ملاحظة أن عدم تدخل إسرائيل بشكل مباشر بما يجري في سوريا، لم يمنع انتقال التوتر إلى حدود المناطق المحتلة في الجولان، حيث تتزايد حالات سقوط قذائف ضد القوات الإسرائيلية، ما يدفعها للرد على تلك النيران، وبما يعني انخراطاً، ولو غير مباشر، في الحدث السوري الملتهب.
مشورة أوباما، أتت متناغمة مع توجهات حكومة نتنياهو الثالثة، التي ترى أن شبكة العلاقات مع تركيا ذات أهمية كبيرة، في ما يتعلق بسورية وغيرها، وهي خطوة تشكل أهمية سـتراتيجية وأمنية، حيث تتطلب الأوضاع في المنطقة تشكيل تحالفات جديدة، لمواجهة المخاطر المتصاعدة، والتغيرات الإقليمية المحيطة، وهي تحالفات يكاد الإسرائيليون يجمعون عليها، مع إدراكهم أن خطورة ما يجري في سوريا، تكمن في إمكانية سيطرة معارضي الأسد، وفيهم متطرفون، على مخزون الأسلحة المتطورة عند الجيش السوري، وفيها السلاح الكيمياوي، أو انتقال هذه الاسلحة الى حزب الله ، وقد أعلنت إسرائيل في وقت مبكر رفضها لهذا السيناريو، واستعدادها لإحباطه بالقوة، وسيكون هذا متاحاً بشكل أفضل، بغطاء أميركي ومساندة تركية.
استئناف العلاقة مع تركيا، بعد تقديم اعتذار لها يتجاوز ادعاءات الكبرياء، مصلحة اسرائيلية ستراتيجية وأمنية بالدرجة الأولى، قدمها أوباما على طبق من ذهب للدولة ، في سياق تدخله المتأخر على خط الأزمة السورية، متراجعاً عن ما كان أعلنه في مستهل ولايته الأولى، حين ظنّ أن رعاية الولايات المتحدة للإسلاميين، ستدفعهم إلى أحضانها وأن وقف الاستيطان في المناطق المحتلة، سيؤدي بالضرورة إلى شكل من الاستقرار في المنطقة، لكن الظروف تغيّرت، فلا الاستيطان توقف أو انحسر، ولا الإسلاميين أثبتوا قدرتهم السيطرة على الأمور، في البلدان التي وصلوا فيها إلى السلطة.
تتشارك إسرائيل وتركيا في أولوية الملفين السوري والإيراني عند كليهما، فاردوغان يجد نفسه متورطاً في المستنقع السوري، مع تاثيرات ذلك على المسالة الكردية في بلاده، وصراعه على النفوذ والتاثيرمع إيران، بعد تداعيات الربيع العربي، ويمتد من العراق إلى سوريا مروراً بلبنان وفلسطين ، وإسرائيل تضع نصب عينيها منع ايران من امتلاك القدرة النووية، وهي مستعدة للقتال في سبيل إنجاز هذا الهدف، وهي تخشى انهيار نظام الأسد قبل نضوج البديل، ما يعني عندها مجاورة دولة فاشلة، تجمع كل القوى المناهضة للإستقرار، ومستعدة لخيارات انتحارية جربتها في أكثر من منطقة، وخطوة أوباما في مصالحة أردوغان مع نتنياهو، تمنح الإثنين فرصة لالتقاط الأنفاس، ووضع حسابات جديدة، تضمن مصالح بلديهما، وبالطبع والتأكيد مصالح واشنطن.
لماذا اعتذرت إسرائيل لتركيا؟
[post-views]
نشر في: 26 مارس, 2013: 09:01 م