وأنا اقرأ موضوعاً عن حياة الكاتب الإسباني (سيرفانتيس) الذي كتب المسرحية المشهورة (دون كيشوت) تلك الشخصية التاريخية النموذجية والتي تتوهم البطولة والانتصار في المعارك مع أنها تخرج منها خاسرة، تذكرت إن الصديق (علي حسين) كتب منذ سنوات مسرحية بعنوان (عود
وأنا اقرأ موضوعاً عن حياة الكاتب الإسباني (سيرفانتيس) الذي كتب المسرحية المشهورة (دون كيشوت) تلك الشخصية التاريخية النموذجية والتي تتوهم البطولة والانتصار في المعارك مع أنها تخرج منها خاسرة، تذكرت إن الصديق (علي حسين) كتب منذ سنوات مسرحية بعنوان (عودة دون كيشوت) أعجبتني المعالجة وبقيت حتى اليوم أنوي إخراجها وكان الافتقار الى الممثلين القادرين على تجسيد أدوارها أهم أسباب عدم تحقيق أمنيتي، ما ان تسلمت النص الذي كتبه (علي) حتى رحت أقارن بينه وبين نص (سيرفانتيس) وتساءلت ما الذي دفع كاتبنا ليعيد كتابة نص مسرحي ذائع الصيت وما الذي سيضيف وما الذي سيغير وما هي رؤيته الجديدة تجاه تلك الشخصية المدعية وتجاه أحداث المسرحية وجاءت الإجابة سريعة وهي ان كاتبنا أراد ان يسقط مضمون المسرحية القديمة على شخصيات وأحداث معاصرة في تاريخ المسرح هناك أمثلة كثيرة أشبه بمثال علي حسين حيث كتب العديد من كتاب الدراما مسرحيات عن شخصيات سبق لآخرين ان كتبوا عنها ونذكر منها مسرحية (انتيغون) التي كتبها الإغريقي (سونوكليس) عام 441 حول تلك الفتاة التي تحدت السلطة الحاكمة كونها تكيل الأحداث بمكيالين فتظلم، وفي عام 1783 كتب الايطالي (نيتوريو الفيري) مسرحية عن الفتاة نفسها وعكس فيها قضايا سياسية، وفي عام 1922 كتب الفرنسي (جان كوكتو) مسرحية مثل قبلها، وبعد ذلك قام مواطنه (جان آنوي) في عام 1943 بإعادة كتابة المسرحية وبلغة معاصرة مبسطة وبمضمون يعكس الواقع الحاضر خلال احتلال النازيين لأجزاء من أوربا، وعندما قمت بإخراج مسرحية آنوي عام 1966 وقدمتها على المسرح القومي باسم الفرقة القومية للتمثيل كنت أقصد التعرض للواقع العراقي المعاصر.
تناول كتاب الدراما في مختلف العصور ومن مختلف البلدان شخصية الملكة الفرعونية (كليوباترا)، ففي القرن السادس عشر كتب الفرنسي (اتيان جوديل) مسرحية بعنوان (اسر كليوباترا) وهي أول تراجيديا من المدرسة الكلاسيكية الجديدة، وقدمت المسرحية أمام الملك هنري الثالث ومثلت فيها (جوريل) الدور الأول، وفي القرن السابع عشر كتب (وليم شكسبير) مسرحية (انطوني وكليوباترا) 1606-1607 وتعرض فيها الى عمق العلاقة بين الملكة المصرية والقائد الروماني المحتل وكشف عن تضحيتهما من أجل الحب لا من أجل الوطن، وفي عام 1899 كتب (جورج برنارد شو) مسرحية (قيصر وكليوباترا) أراد منها تصحيح المفاهيم الشعبية الخاطئة عن الشخصيات التاريخية حسب اعتقاده، وفي بداية القرن العشرين ومن باب التصحيح أيضا كتب الشاعر المصري (أحمد شوقي) مسرحيته (مصرع كليوباترا) ناقش فيها موضوعة الإخلاص للوطن وخيانته وانجراف الملكة المصرية مع الحب المتناهي للقائد المحتل (أنطونيو)، وبالمناسبة قمت بتقديم مسرحية أعددتها عن نصوص الثلاثة الكبار: شكسبير وشو وشوقي مع طلبة قسم الفنون المسرحية بكلية فنون جامعة بغداد، ولا بد من الإشارة هنا الى إن الكاتب المصري (توفيق الحكيم) قد أعاد كتابة مسرحيتين كتبهما كاتبان أوربيان قبله هما (الملك أوديب) و(بيغماليون).
في هذا السبيل لابد ان نذكر بان الكاتب والمخرج الألماني (بوتولد بريخت) قد أعاد كتابة مسرحية شكسبير (كوريولان) عن احد قياصرة الرومان برؤية جديدة هي (الشعب هو الضرورة) بخلاف رؤية الشاعر الانكليزي الكبير (القائد هو الضرورة) ومثلما فعل بريخت مع (كوريولان) فعل الشاعر العراقي يوسف الصائغ مع (عطيل) في مسرحية (دزدمونه) التي اقتبسها من مسرحية شكسبير التي تتحدث عن توهم القائد المغربي الأسمر بأن زوجته الايطالية البيضاء تخونه مع أحد ضباطه بمكيدة دبرها احد معاونيه هو (ياغو)، وأراد الصائغ من مسرحيته ان يبرر موقفه من الانتماء الى حزب معين والتحول الى حزب آخر بحجة ان الأول قد أصبح جدياً عقيماً ومثله بشخصية (دزدمونه) ومثل الآخر بشخصية (ايليا) زوجة (ياغو).
ونأتي أخيرا الى مسرحية بريخت المشهورة (دائرة الطباشير التوقازية) والتي تتعرض الى الثيمة القاتلة (الأرض لمن يزرعها) فقد قام الكاتب العراقي (عادل كاظم) بإعادة كتابة المسرحية وأعطاها عنواناً جديداً هو (دائرة الفحم البغدادية) ولا أدري ما الذي دفعه الى هذا التخريف مع العلم ان أحداث المسرحية الأصلية لا تقع في بغداد، كان ذلك أوائل الثمانينات من القرن العشرين وفي أوائل القرن الحادي والعشرين قامت الكاتبة والمخرجة (عواطف نعيم) بتقديم مسرحية بعنوان (دائرة العشق البغدادية) وتكاد جميع أحداثها تشابه أحداث مسرحية الألماني بريخت، وفي جميع الحالات المذكورة سلفاً فان الكتاب الجدد الذين أعادوا صياغة مسرحيات قديمة لم يستطيعوا تجاوز معطياتها ومعظم شخوصها الكتاب الجدد حاولوا النفاذ من النصوص المسرحية القديمة للخروج برؤى جديدة يمكن إسقاطها على واقع يمرون به وظواهر يلاحظونها في عصرهم.
مثل تلك القراءات الجديدة للنصوص المسرحية القديمة تثير تساؤلا مهما يتعلق بتصنيف العمل الجديد وفي أية خانة يمكن إدراجه: هل في خانة الأعداء ام خانة الاقتباس ام في خانة التأليف، يعتمد مثل هذا التصنيف أو الوصف على مدى الابتعاد او الاقتراب من النصوص الأصلية القديمة ونضرب لذلك في (دزدمونه) للصائغ مثلاً حيث تقع مسرحيته بين خانة التأليف والاقتباس حيث لا تقارب إلا في بعض الشخصيات.