لا يمكن لشيء أن يعبر عن رخص حياة الناس في هذه البلاد أكثر من قصة نقاط التفتيش وجهازها العجائبي الكاشف عن المتفجرات. لسنوات يستمر هذا المشهد: طابور من عشرات أو مئات السيارات يقف بانتظار المرور من أمام نقطة تفتيش أو سيطرة، ليقوم جنود السيطرة بفحص كل سيارة على حدة بجهاز كشف المتفجرات، المسمى أي دي إي – 651. وتتسبب هذه العملية المنتشرة في شوارع بغداد بتأخير وصول الناس الى أهدافها بمعدل ساعة على الأقل، وتزيد عن ذلك في ساعات الذروة، عند بداية العمل صباحا وعند نهايته بعد الظهر. والزيادة في التأخير ترتفع في الحالات الاستثنائية، وما أكثرها، الى ثلاث ساعات.
الجميع يعرف أن جهاز الكشف عن المتفجرات هذا أكذوبة خالصة، من المواطن الذي يُفتَش، والجندي حامل الجهاز الذي يفتِش، والإرهابي الذي يفجِّر، الى الحكومة التي اشترت الجهاز وعممته على نقاط التفتيش.
الجهاز أكذوبة بشهادة دولة المنشأ: بريطانيا التي باع أحد مواطنيها هذا الجهاز إلينا في صفقة قيمتها 85 مليون دولار، بكلفة 40 ألف دولار لكل جهاز. تقرير لتلفزيون بي بي سي، في أحد أهم برامجها الاخبارية مصداقية، واسمه "أخبار الليل"، عرض في كانون الثاني 2010 عملية تحليل هذا الجهاز أمام أنظار المشاهدين، من قبل الخبير في الألكترونيات بجامعة كامبرج الدكتور ماركس كووت، وتبين ببساطة أن الجهاز "قطعا لا يمكن برمجته للكشف عن المتفجرات".
قال الخبير: "لا يوجد شيء لبرمجته داخل بطاقة هذا الجهاز، لا توجد ذاكرة، ولا فيشة تحكُّم، هذه البطاقة مجرد بلاستيك وألمنيوم. إنها أرخص نوع من الألكترونيات. وهي تستخدم للكشف عن السرقة عند أبواب المتاجر اذا قرر أحدهم أن يهرب ببضاعة من المتجر من دون الدفع". خبير آخر وصف الصفقة بأنها "عملية استغلال هواجس أمة واقعة في مأزق". وقال ثالث:" أنا مفاجأ من غياب آلية قانونية أو حكومية لمنع مثل هذه الصفقات".
صاحب "البضاعة المغشوشة" جيم مكموريك، وهو مدير شركة أمنية اسمها أي تي أس سي، رفض الظهور على الشاشة البريطانية. لكنه ظهر مرة على شاشة "العراقية" مع قائد أمني وهو يحاول اقناع صحفيين محليين بصلاحية الجهاز. وتلك كانت أول وآخر مرة ظهر فيها على الشاشة. لقد ضرب ضربته واختفى. فبعد انكشاف الفضيحة حظرت الحكومة البريطانية تصدير الجهاز وانقطع رزقه القاتل.
ليس هناك جديد في كل ما تقدم حول الجهاز والسيطرات. فكل ذلك نشر وفضح قبل أعوام. ولكن الفضيحة الكبرى هي في استمرار هذا الجهاز وتلك السيطرات في خدمة يعلم الجميع أنها عابثة، كاذبة، قاتلة، لا تفعل شيئا عدا السماح بنشر الموت والدمار، لبطلان صلاحيتها في الكشف عن المتفجرات والارهابيين، وفوق ذلك التنكيل بالناس وتعذيبهم، والتأكيد لهم بأن وقتهم وأموالهم وحياتهم بلا أدنى قيمة.
فقط تصوروا لو أن هذه الأكذوبة عُمِل بها في شوارع القاهرة. كم يوما يمكن أن تقعد عند المصريين؟ أي ضجة ستقوم؟ كم احتجاجا سيندلع؟ والى أي مصير سينتهي أصحاب صفقة الـ "أي دي إي – 651 وأبطال "خطة السيطرات"؟ من المشكوك فيه أن يصبروا على مثل هذه الأكذوبة الصريحة أكثر من "ليلة ويوم". أما عندنا فالله المعين. إن عمر الكذب في بلادنا طويل. و"خُطَّار عدنا الصدق".
جميع التعليقات 2
كاطع جواد
أتعلم لماذا يا سيدي نصبر كل هذا الصبر لاننا ببساطة شعب مدجن فقد قام صدام حسين بتجديننا اما الشعب المصري فحسني مبارك وأعوانه سرقوا خيرات مصر لكنهم لم يدجنوهم في حروب عبثية او تجويع او إرهاب منظم كما فعل معنا صدام لذلك وقفنا ساعات بالشمس او خداعنا او سرقة أ
رمزي الحيدر
شعب مصر تنبض به الحياة ويناضل من أجل الحصول على كرامته ، أما عندنا الغنم في المراعي تبحث عن (العاگول).