تنقل معظم جلسات مجلس العموم البريطاني (مجلس النواب) عبر القنوات الرسمية التلفزيونية، حيث يجلس الطرفان متقابلين، يتصدى الطرف الحكومي لقضية ساخنة، فيقف له الطرف المعارض بالمرصاد، متصيدا خطأ ما، تهاونا ما، اتهامات بأدلة قد تصل حدود التجريح أحيانا، وعلى الطرف الآخر مسوؤلية الإجابة والتوضيح، مهما بدت الأسئلة محرجة، ما دامت تتعلق بشؤون المواطنين والأداء الأفضل.
في حومة الديمقراطية العراقية الراهنة، يختلط الحابل بالنابل، الاتهام والاتهام المقابل بدون أدلة، تعليق الجلسات أو تأجيلها لعدم اكتمال النصاب بأمر من رئيس هذي الكتلة أو ذاك الكيان، في البرلمان العراقي يعاير الجاهل، زميله الأكثر جهلا، يتجاور العالم بمدعي العلم. المنتخب بأصوات حقيقية والمنتخب بالتزكية.في حومة سوق هرج – كهذا – تتسعر الحاجة، يوما بعد يوم، لانبثاق منظومة، بحضور وطني وعلمي كثيف، لإعلاء صوت جهوري واضح النبرة، نزيه الغرض، يقدم المشورة والرأي السديد عندما يسود الشطط في التقييم والتخبط في القرارات،
لا تستقيم أمور دولة ديمقراطية دون معارضة حقيقية، كل الألسنة الطويلة والسبابات المرفوعة بوجه طغاة الأمس، مشيرة لمواقع الخلل والخطل، متوعدة الجلادين بالقصاص، ممنية العراقيين بدولة السمن والعسل والتمتع بأطايب الثروات دون تمييز أو احتكار، كل تلك الأصوات أخرست، بعضها بقطع الألسنة بسكين الدولار، والبعض الآخر استمرأ النظر بعين عوراء، يرى ما ينفعه ويعمى عما عداه .
تشرذمت أصوات المعارضين الحقيقيين في خضم المد الجارف من الادعاءات،بالابتعاد عن أتون النار التي يستدرج لها العراق بجعل الحرب الطائفية قدرا لا مفر منه إلا بالغرق فيه، والبعض الآخر قنع من الغنيمة بالصمت المريب.
في حومة هذي المعمعة، أما من سبيل لتشكيل مجلس حكماء، من رجالات البلد الذين يجرحهم مرض العراق وتشفيهم قيامته وتعافيه، مجلس للحكم يفرض نفسه بالتعقل،يتنادى لتشكيله علية القوم من فقهاء وعلماء وأساتذة، يحظى بمباركة أهل الحكم ومناوئيهم – ولو على مضض منهم _ لا يرتهن لطائفة دون طائفة، ولا يفضل دينا على دين ولا يمالئ قومية على حساب قومية،، مستقل القرار، يستعصي على التطويع والتدجين والممالاة.
مجلس حكماء إذن: طلب شفاعة،استغاثة غريق، صرخة ملتاعة عساها لا تضيع في حومة الصراخ والضجيج والإدعاءات وفضائح الفساد، والاتهامات المتبادلة في سوق الهرج والمرج الذي يطلقونه بديلا لما كان يسمى ((عراق)).