هل حدث أن شعرت بأن يومك منحوس؟ ثم تذكرت بأنه فعلاً من الأيام المنحوسة، كاليوم (13) من كل شهر، أو يوم الثلاثاء من كل أسبوع، كما يعتقد بعض الناس؟ حسن لقد حدث هذا معي في يوم الثلاثاء الماضي، الذي كان متعباً من بدايته إلى نهايته، لكنني لم التفت خلال هذا اليوم إلى "منحوسيته"؛ أما لأنني لا أؤمن بالنحس، أو لأن جميع الأيام في العراق منحوسة.
على كل حال، وقبل أن ينتهي يومي ميتاً على الفراش، قررت أن اقرأ قليلاً، وحدث أن تصفحت كتاباً عن بعض العقائد "التقليدية"، وفوجئت بأنني اطالع فصلاً عن النحس عند المجتمعات "المتحضرة"، وأن الكثير من أفراد هذه المجتمعات، (مثلاً)، يرفضون السكن في بيت يحمل الرقم (13)!! مما يضطر البلدية إلى استخدام الرقم (12.5) لترقيم البيت الذي يأتي تسلسله الثالث عشر بين البيوت.
عند هذا الحد تذكرت بعض اللغط "الأكاديمي" الذي يدور حول جفاف مواضيع البحث الانثروبولوجي، وأن هذا الاختصاص المعني بدارسة الشعوب البدائية أو ما قبل الكتابية، لم يعد لديه ما يفعله، بعد أن كادت هذه المجتمعات أن تختفي من الوجود. فقلت لنفسي ساعتها: إذن من سيخبرنا العلة الكامنة وراء إيمان إنسان ما بعد الحداثة بالنحس، وتطيره من بعض الأيام أو الكائنات أو الوقائع؟
تشتبك مواضيع الاختصاصات بشكل معقد، ولا نكاد نستطيع فصل العلوم عن بعضها منطلقين من مواضيع أبحاثها. لكن تبقى الانثروبولجيا، أكثر العلوم قدرة على تحويل الإنسان من كونه باحثاً إلى كونه مبحوثاً. نعم يفعل ذلك علم البيولوجيا، لكن بتعامله مع الإنسان باعتباره قطعة لحم، ونعم يفعل ذلك علم الاجتماع، لكنه يدرس الظاهرة الإنسانية من الخارج ولا يلج محرابها المقدس.
ما أريد الوصول إليه، أن الإنسان كائن واع، وان الوعي هو الرحم الذي خُلقت فيه الحضارة الإنسانية، التي ميزت الكائن البشري عن باقي الكائنات. ومن هنا فالانثروبولوجيا، مُطالبة بدراسة الزوايا الخفية داخل الوعي البشري؛ لأنها تدرس الإنسان بما هو إنسان، لا بما هو فرد في المجتمع، كما يفعل علم الاجتماع، ولا بما هو جسد كما تفعل البيولوجيا.
لماذا يتطير إنسان القرن الواحد والعشرين، لماذا يحسد أو يؤمن بالحسد، لماذا يخاف من الظلام، لماذا يشعره المجهول بالرعب، لماذا يتجاهل العلم ويحاول اللجوء إلى السحر؟ ما معنى الأبوة والأمومة والبنوة؟ ما معنى الصداقة؟ وهل لهذه العلاقات مبررات موضوعية، أم أنها قضايا ذاتية بحتة؟ إلى آخر هذه الأسئلة المحيرة، التي تقف علامات استفهامها على أبواب الانثروبولوجيين ويكاد الملل أن يقتلها.
جميع التعليقات 2
رمزي الحيدر
ماذا تقول الأنثروبولوجيا عن النحس الذي أصاب العراق و شعبه؟؟؟؟...
رمزي الحيدر
ماذا تقول الأنثروبولوجيا عن النحس الذي أصاب العراق و شعبه؟؟؟؟...